فلو ثبت أن العالم ـ بعامة اجزائه المادية وصورها ـ حادث لزم ان يفترض له محدث اخرجه من العدم ، وأفاض عليه الوجود. فهاهنا مقدمتان (احداهما صغری والاخری كبری) ونتیجة ، وهي كالتالي :
١ ـ الصغرى تتكفل باثبات حدوث العالم.
٢ ـ الكبرى تتكفل باثبات احتياج كل حادث الى محدث وعلة.
٣ ـ النتيجة وهي أن العالم محتاج الى محدث اذن.
ولما كانت المقدمة الثانية (اي الكبرى) ثابتة عند الجميع لاعترافهم باحتياج كل حادث الى علة محدثة يتحتم تركيز البحث على اثبات الصغرى اي اثبات كون العالم حادثة بمادته وصورته.
* * *
ومن الضروري أن تلفت نظر القارئ ـ هنا ـ الى نكتة سبق ان اشرنا اليها وهي : أن ثمت فرقاً اساسياً بین برهان «حدوث المادة» هذا ، و «برهان النظام» الذي قد مر تفصيله بصوره الاربعة.
فان الثاني (اي برهان النظام) ليس مبنياً على حدوث المادة ، وانما هو مبني على خضوع هذا العالم لنظام متقن ، ومحاسبة دقيقة ، اذ أن مثل هذا النظام المتقن والمحاسبة الدقيقة لا يمكن أن تكون وليدة الصدفة العمياء ، ولا ناشئة من المادة ، ولا انها مقتضی خاصیتها بل هو من فعل خالق مبدع ، وعقلية جبارة وراء المادة.
ومثل هذا الاستنتاج من النظام السائد على الكون يحصل للمرء سواء بحدوث المادة او ازلیتها ، وسواء قال بان النواة الأصلية لهذا الكون قديمة أو حادثة.
فبرهان النظم يتمشى مع القول بحدوث المادة ومع القول بقدمها أيضاً.