ازلية الخالق :
أن البراهين التي مرت في الأبحاث السابقة لم تثبت اكثر من «وجود» خالق للنظام الكوني أو للكون نفسه خالق أوجد المادة من العدم ، وافاض عليها صورتها ونظامها البديع دون أن تتمكن من اثبات ان ذلك الخالق هو ما يطلب اثباته علماء العقيدة ، أي الخالق الأزلي ، الغنيّ في وجوده عمن سواه والذي تنتهی الیه سلسلة الموجودات جميعاً وتستند اليه في وجودها ، في مادتها وصورتها دون ان يحتاج هو الى علة توجده ، ومحدث يحدثه.
ان غاية ما اثبتته الأبحاث السابقة هو وجود خالق ما لهذا الكون ، لان تلك البراهين لم تكف لاكثر من ذلك فبقيت «ازلية» هذا الخالق وغناه عمن سواه بحاجة الى اثبات بادلة مستقلة ، اذ لاحد أن يدعي ـ بعد الاذعان بوجود خالق الكون في ضوء تلك البراهين ـ ان لذلك الخالق خالقاً وان لذلك الصانع صانعاً آخر أوجده وصنعه.
ولأجل هذا لابد من التماس دليل آخر يثبت «ازلية» الخالق وقدمه وغناه عمن سواه.
ومجمل هذا الدليل هو أن يقال : أن هذا الخالق المفروض وجوده ان احتاج الى خالق آخر ، واحتاج الخالق الاخر الى خالق ثان ، والثاني الى ثالث ، وهكذا ، لتسلسلت العلل والمعاليل الى غير نهاية ، فلابد من برهان يثبت وجوب انتهاء هذه السلسلة من العلل والمعاليل الى «فاعل أزلي» موجود بالذات غني عمن سواه.
وهذا ما يتكفله برهان «ابطال التسلسل» الذي خصصنا لبيانه البحث الحاضر.
ولقد تعرض الفلاسفة وعلماء العقيدة والكلام في كتبهم لبرهان التسلسل