المادة ، الذي يقال له : فاعل الحركة كالنجار.
فهذا هو ما يسميه الماديون «علة» ، وهو ينطلق من موقفهم تجاه مسألة «العلل» فان المادي لا يعترف الا بنوعين من العلل الاربعة التي يعترف بها الالهيون كما ستعرف ذلك عما قريب.
وأما عند الفلاسفة الالهيين فالمقصود من العلة هو «مفيض الوجود» أي من يفيض الوجود على الأشياء فيخرجها من العدم ، ويصيرها موجودة بعد أن كانت معدومة.
ان العلة في مصطلح الفلاسفة الالهيين هي ما يكون المعلول ـ بمادته وصورته وبجميع شؤونه ـ منوطاً بها ، فهي تعطي وجود المادة وصورتها ، وكل شؤونها ، وهي التي بالتالي تخرجها من ظلمة العدم الى حيز التحقق والظهور.
وللتوضيح نمثل لذلك بالصور الذهنية والنفس الإنسانية وان كان بين الممثل له والمثال فرق من جهات أخرى ، فنقول : ان النفس الإنسانية توجد الصور في الذهن ایجاداً فتكون الصور الذهنية معلولة للنفس الإنسانية بكل شؤونها.
صحيح أن النفس قد تستمد ـ في خلقها لبعض الصور ـ من امثلة خارجية محسوسة عن طريق الحواس ولكن قد تخلق النفس ـ احياناً ـ صوراً في الذهن لاشياء لا مثيل لها ، ولا أعيان في الخارج كبحر من زئبق مثلا.
وملخص الكلام : ان العلة التي يقصدها الفلاسفة الالهيون هي التي تفيض الوجود على الأشياء ، فتوجدها من العدم ، وان ما يدعيه الالهيون ويدعمونه بالادلة الكثيرة هو : أن الكون ـ مادة وصورة ـ لم يكن موجوداً قط ، ثم أوجده الخالق ، بأن خلق المادة ، وأفاض عليها صورتها ، وأحاطها بشبكة من النظام البديع الذي لم يكن قبل ذلك قط أيضاً ، ويتضح هذا الأمر أكثر فأكثر