وقد اعترف الماديون بالعلتين الأخيرتين فقط ، أي العلة المادية والصورية ونفوا العلة الفاعلية والغائية في الكون (أي نفوا وجود معطي الوجود للعالم وان تكون هناك غاية من ايجاده) وذلك لانهم اذا اعترفوا بالعلة الفاعلية لزم من ذلك وجوب اعترافهم بالخالق ، فبطلان مذهبهم.
كما أنهم لا يمكنهم الاعتراف بالعلة الغائية لان ذلك فرع وجود الخالق الحكيم الذي خلق الكون لغاية معينة ، في حين ينكر الماديون وجود هذا الخالق ، ويشبهون الكون بالكتاب المندرس البالي الذي فقدت أوراقه الاولى والاخيرة ، فلا يعرف لها أول ، ولا آخر ، ولا مؤلف ولا هدف.
* * *
«أزلية الخالق» لیست تخصيصاً للقاعدة العقلية
من خلال البحث السابق ، وما تقدم من أبحاث وبراهین عرفنا بأن وجود المادة ونظامها البديع بحاجة الى علة قادرة عالمة هي التي خلقت الكون ـ مادة وصورة ـ تبعاً لقانون العلية المسلم ، والمتفق عليه بين جميع العقلاء ، وعندئذ ينطرح هذا السؤال وهو :
اذا افترضنا أن لهذا الكون خالقاً بحكم «قانون العلية» لزم اجراء هذا القانون بلا استثناء لكون هذا القانون قاعدة عقلية والقاعدة العقلية لا تقبل التخصيص بل هي صادقة في جميع الامكنة والازمنة على الاطلاق.
قام الدليل القطعي على أن ٧×٧ = ٤٩ فان هذه المعادلة جارية في كل مكان وزمان ، ولا يمكن تخصيصها بزمان دون زمان ، وكذا لو قيل أن
__________________
«كل شيء يصدر عنه أمر أما بالاستقلال أو بالانضمام فانه علة لذلك الأمر ، والأمر مطول وهي : فاعلية ، ومادية ،. وصورية ، وغائية».