أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر؟!» (١).
ولذلك عمد الفلاسفة العارفون الى برهان آخر لا يتوسط فيه شيء من المخلوقات والمصنوعات بين الانسان وبين معرفة الخالق سبحانه ، اسموه برهان «الصديقين».
* * *
توضیح مختصر لبرهان الصديقين
وخلاصة هذا البرهان هي : أن الاعتقاد والاعتراف بوجود الواجب سبحانه الغني عن أية علة ، أمر يحصل للانسان ، بمجرد ملاحظة أصل الوجود الذي يسلم ويذعن به الجميع وان ما نسميه (موجوداً) لا يخرج عن أحد حالين :
١ ـ أما أن يكون الوجود ضرورياً له غير نابع من شيء آخر سواه ، ولا مفاض من موجود آخر عليه ، فذلك هو الواجب سبحانه اذ لا يراد من الواجب تعالى الا ذلك.
٢ ـ اما ان يكون وجوده مأخوذاً من موجود آخر ، فذلك الاخر اما نظيره في الحاجة إلى آخر فيلزم أن يكون وجوده مأخوذاً من ثالث ، والثالث من رابع. أو يكون موجوداً غنيا اذ يجب ان تنتهي السلسلة الی موجود غني بالذات الامتناع التسلسل.
وهكذا لا يتطلب هذا البرهان سوى النظر الى نفس الوجود فان الوجود نفسه اذا نظرنا اليه من دون تقييده بلون أو ماهية خاصة اما ان يكون هو الواجب او انه يستلزم وجود الواجب.
فالاعتقاد باصل الوجود لا ينفك عن الاعتقاد بالواجب لان الشي لا يخلو
__________________
(١) هذا الدعاء موجود في كتب الأدعية.