وإن قالوا : انا شككنا ، فيقال لهم : هل تعلمون انكم شككتم أو انكم انكرتم وهل تعلمون من الاقاویل شيئاً معيناً؟ فان اعترفوا بأنهم شاكون أو منكرون ، وأنهم يعلمون شيئاً معيناً من الأشياء فقد اعترفوا بعلم ما وحق ما ، وان قالوا : انا لا نفهم شيئاً أبداً ، ولا نفهم أنا نفهم ، ونشك في جميع الأشياء حتی وجودنا وعدمنا ونشك في شكنا أيضاً وننكر الاشياء جميعها حتی انكارنا لها أيضاً ، ولعل هذا مما يتلفظ به لسانهم معاندین فسقط الاحتجاج معهم ، ولا يرجى منهم الاسترشاد فليس علاجهم الا أن يكلفوا بدخول النار اذ النار واللانار واحد ويضربوا فان الالم واللاألم واحد» (١).
وأما المقدمة الثانية فهو مقتضى الحصر العقلي اذ لا واسطة بين النفي والاثبات.
واما المقدمة الثالثة التي تنص على احتياج كل ممكن الى علة فهي كذلك من البديهيات العقلية التي لا يحتاج التصديق بها الى دليل.
وقد أشار الحكيم السبزواري الى بداهة هذه المسألة بقوله :
قد لزم الامكان للمهية
وحاجة الممكن أولية
أي حاجة الممكن الى المؤثر بديهية ، فان الانسان اذا نظر الى الماهية ونسب الوجود والعدم اليهاعرف بالبداهة ولاول وهلة أنها في وجودها تحتاج الى المؤثر اذ ليس لها بذاتها وجود ولا عدم.
وأما المقدمة الرابعة ، فلان أصل الوجود الخارجي اذا كان أمراً واقعاً غير قابل للانكار ، فان ما نسميه وجوداً وتحققاً ـ من دون تقييده بشيء ـ اما ان يكون واجب الوجود غنياً في تحققه عن اي شيء وهو ما يبتغيه الالهي
__________________
(١) الأسفار الأربعة. لصدر الدین الشیرازی ج ١ ص والشفاء لابن سینا ، قسم الالهيات ص ٤٢.