ويقصده ، وإما أن يكون ممكناً فهو بحاجة الى علة موجدة ، وبما أن توالي سلسلة العلل والمعلولات الى ما لا نهاية أمر باطل ، فلا مناص من انقطاع السلسلة وتوقفها عند نقطة خاصة وهو ما يسميه الالهي بواجب الوجود.
وهذه المقدمات وما نتج عنها هو ما يسمى ببرهان الصديقين.
ثم أن الشيخ الرئيس «ابن سینا» يفتخر بتوصله الى هذا البرهان ، معتبراً اياه من أشرف البراهين لعدم احتياج الالهي فيه الى توسيط «المخلوق» لمعرفة «الخالق» ، اذ قال بعد عرضه لهذا البرهان :
«تأمل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الأول (أي الله سبحانه) و... الى تأمل لغير نفس الوجود ، ولم يحتج الى اعتبار من خلقه وفعله ، وان كان ذلك دليلا عليه ، لكن هذا الباب (أي هذا الدليل) أوثق وأشرف أي اذا اعتبرنا حال الوجود يشهد به الوجود من حيث هو وجود وهو يشهد بعد ذلك على سائر ما بعده في الواجب (ثم قال :) وغير هؤلاء (أي غير الصديقين) يتوسلون في السلوك الى معرفته تعالى وصفاته بواسطة آمر آخر غيره كجمهور الفلاسفة بالامكان ، والطبيعيين بالحركة والمتكلمين بالحدوث للخلق أو غير ذلك» (١).
الا ان الحكيم الالهي «صدر الدين الشيرازي» لم يرتض هذا النوع من التقرير لبرهان الصديقين لاحتياجه الى توسيط أمور لمعرفة الله مثل مسألة الامكان وامتناع التسلسل وغير ذلك مما له دخل في البرهان.
فان البرهان الاشرف ـ في نظره ـ هو ما لا يحتاج الى توسيط شيء مطلقاً حتى مثل تصور هذه المفاهيم والتقسيمات ، ولأجل ذلك عمد الى تقریر آخر لهذا البرهان ، يتوصل فيه الى اثبات الحق تعالی وصفاته الجمالية والجلالية من دون توسيط شيء بالمرة.
__________________
(١) راجع المنظومة للسبزواري ص ٧ قسم الفلسفة.