غير ان المادي تصور انه يجب ان يكون لكل معلول مادي «علة مادية» تتحول الى ذلك المعلول.
فكما يجب ان يكون للباب مادة سابقة وهي الخشب لتتحول الى هيئة الباب كذلك يجب ان يكون لمادة الكون علة مادية سابقة تتحول الى الصورة الفعلية وهذا هو ما يهدفه المادي في السؤال المطروح ، ولكنه غير ثابت بتاتاً لان لثبوته احد طريقين : طريق العقل ، أو طريق التجربة.
أما العقل فهو لا يحكم الا بوجود «علة» للمعلول ، وأما أن هذه العلة يجب ان تكون «علة مادية» حتماً فمما لا يقره العقل.
اذن فالذي يجب على الالهي اثباته هو ان للكون ـ بمادته وصورته ـ علة خالقة لها ، وأما لزوم ان تكون تلك العلة «علة مادية» فلم يثبت من جانب العقل.
وبعبارة أخرى : ان العقل يحكم بان الشيء الممكن الذي لا يصح ان يحكم عليه بالوجود او العدم ، لا يخرج عن حد الاستواء الا بواسطة علة مرجحة ملزمة له باحد الامرين ، ففي جانب الوجود يجب وجود علة تخرجه عن حد الاستواء الى الوجود ، وفي جانب العدم يكفي عدم العلة.
هذا هو غاية ما يقضي به العقل ، واما ان العلة يجب ان تكون في كل الموارد «علة مادية» فلم يدل عليه دلیل ولا يقره العقل ، وقد خلط المادي بين نفي العلة مطلقاً وبين نفي العلة المادية لخلقه.
فالذي اثبتته الفلسفة وذهب اليه الالهيون هو بطلان عدم وجود علة للعالم بمعنی تحققه بدون علة.
وأما نفي «العلة المادية» للعالم فلا اشكال فيه ، اذ لم يدل دليل على لزوم كون العلة في جميع الموارد «علة مادية».
__________________
واما السؤال الحاضر فالتركيز فيه على حدوث العالم من دون مادة سابقة مع ان التجربة والعلم لا يثبتان سوی قسم واحد من الوجود ، وهو حصول شيء من مادة سابقة.