يفيد بوضوح انه ينزل «العلة العليا» منزلة العمل الطبيعية ، ويجعلها في مصافها فاذا لم ير في ذلك المصاف ما يسميه الالهي «الهاً» راح يرفضها بحجة انه ليس موجوداً في نطاق الحس والتجربة غير انه عزب عنه انه لو كان هناك أثر من «العلة العليا» في مجال الحس والتجربة لصاراً موجوداً طبيعياً مخلوقاً ، لا «علة عليا» خالقة للطبيعة وموجدة لها من العدم ، فالبحث عن وجوده سبحانه في عالم المادة بحث عن الشيء في غير موضعه ومورده.
ومع ذلك كله فان لوجوده سبحانه آثاراً في الطبيعة ، وآیات في عالم الكون نستدل بتلك الآثار على مؤثرها ، وبهذه الآيات على خالقها ، وهذا النوع من المعرفة مما يقوم عليها أساس الحياة في المجتمع البشري ، فالانسان يعرف المؤثر من الأثر ، وقد أشار القرآن الكريم الى هذا النوع من المعرفة اذ قال تعالى :
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (فصلت ـ ٥٣)
ثم ان من يسعى لاثبات كل شيء ونفيه عن طريق الحس والتجربة فهو لا يعترف الا باداة واحدة من أدوات المعرفة وهي الحس ، ومثل هذا الشخص يعجز عن رؤية الأفاق الأخرى ، وادراك مراتب الوجود الأخرى التي لا تدرك الّا بغير هذه الأداة ، وقد ثبت في أبحاث «نظرية المعرفة» ان للادراك والمعرفة أدوات متعددة ومختلفة لا أداة واحدة.