التي كانت في أيام الصبا قد زالت وحدثت بعدها شخصية اخرى.
وتعود لنقول : ان هذه الحقيقة اذا كانت «موجوداً مادياً» لزم أن يكون عرضة للتغيرات شأنه شأن بقية الموجودات المادية التي تتغير وتتبدل باستمرار الان الحركة والتغير من خصائص المادة ولوازمها.
وحينئذ لا يصح أن يحمل وصف الصبا والشباب والشيخوخة على موضوع واحد عندما يقول الانسان : أنا الذي كنت صبياً وشاباً يافعاً ، وكهلا ، وشيخاً كما انه لو لم يكن هناك حقيقة باقية في دوامة التغيرات لزم أن لا يكون الانسان ـ في شيخوخته ـ مسؤولا عما فعله في شبابه.
لقد أثبت العلم ان التغير والتحول أمر ملازم قطعاً للموجودات الماديّة ، وخاصة الحية منها ، فلم تزل الخلايا التي يتكون منها الجسم البشري تتغيّر وتتبدل ، فهي كالنهر الجاري تخضع لعملية تغيير مستمرة حتى انه يأتي وقت لا تبقى فيه أية خلية قديمة في الجسم لحلول الخلايا الجديدة محلها ، بحيث لو حسبنا معدل هذا التجدد ، فسوف نخرج بأن هذا التبدل يحدث بصورة شاملة امرة في كل عشر سنين.
ان عملية فناء الجسم المادي الظاهري تستمر ، ولكن الانسان في الداخل لا يتغير.
انه يشعر في جميع مراحل حياته انه هو الانسان السابق الذي وجد منذ عشرات السنين. وهذا الواقع يؤكد ان الانسان أو الشخصية الانسانية المعبّر عنها بـ «الانا» شيء غير الجسم ، اذ لو كانت حقيقة الانسان هي نفس هذه الخلايا لوجب أن يكون الاحساس بحضور «الانا» في جميع الحالات أمراً باطلا واحساساً خاطئاً.