سوی طریق واحد ، هو الذي تفتف به ذاتها المادية ، ويمليه عليها تركيبها الطبيع دون أن يكون لها أي اختيار ، وذلك لأن معنى كون الانسان موجوداً مادياً ذا أجهزة طبيعية فقط ، ودون أن يكون وراءها أي شيء آخر ، هو أن يكون الشعور والارادة نتيجة تفاءل أجزائه المادية في موضع الإدراك الخارج عن الاختيار ، ونتيجة العلاقات والروابط الفيزياوية والكيمياوية السائدة فيها.
ومثل تلك الارادة المواردة من الاجهزة المادية وتفاعلاتها الطبيعية تكون بمنزلة العاب المنبعث من الغدد اللعابية ، والصفراء المترشحة من الكبد ، ومثل ذلك لا يمكن أن يوصف بالحرية والانتخاب لان حصول الارادة ونشوؤها في ذاتها ـ في هذه الصورة ـ يكون قطعياً ضروري الحصول مثل حصول اللعاب من الغدة والصفراء من الكبد ، سواء وقعت في اطار مشيئته أم لا؟
وتنزيل الانسان وارادته الى هذا المستوى يجعل الانسان في مصاف الحيوان بل في مصاف الاجسام المعدنية ، والالات المصنوعة التي ليس لها الا سلوك طريق واحد دون سواه.
وهذا بخلاف ما اذا قلنا بأن هناك وراء الأجهزة المادية في كيان الانسان «نفساً مجردة» ذات قدرة على الانتخاب والاختيار وذات قدرة علی ایجاد الارادة وعدمه. فحينئذ يكون الانسان في مصاف «الموجود الحر» ولا ينسلك في سلك الأجسام الفلزية ، فاقدة الإرادة والحرية.
وحيث أن الإنسان يتمتع بالقدرة على الانتخاب ، ويقدر على ترجيح فعل على آخر ، واختيار شيء دون شيء ، فان ذلك يدل على انه موجود حر ، غیر مجبور ، وهو بدوره يدل على أن الوجود البشري لا يساوي المادة فقط ، وان شعوره وارادته لیسا نتيجة تفاعل اجزاء وجوده المادي ، ونتيجة العلاقات والروابط السائدة فيه حتی یكون ظهور الأرادة في محلها نظير ظهور الصفراء من الكبد