وثالثاً : ان اصحاب هاتين الفرضيتين لم يميزوا بين الدافع للعقيدة ، وبين ما يترتب على ذلك الدافع ، في القيمة.
فلا يمكن أن تكون «الدوافع» لشيء و «ما يترتب عليها من الاثار والنتائج» ذات قيمة واحدة.
فقد يكون الدافع نحو الشيء امراً تافهاً لا قيمة له ، بينما تكون النتائج والقضايا الحاصلة من ذلك الدافع ذات قيمة عالية جداً كما في المقام.
فعلاقة الإنسان بالثروة والشهرة هي التي تدفع الى الاكتشاف والاختراع ، ومن المعلوم أن الدافع هنا أمر رخيص ، ولكن الأثر الناتج عنه ذا قيمة عالية.
كما أن الحرب هي وراء أكثر الاكتشافات والاختراعات ، والحال أنّ الحرب ـ كما نعلم ـ دافع رخيص ، بينما يكون ما ينشأ على أثرها من التحولات العلمية والصناعية ذات قيمة عالية.
ولهذا لابد من الفرز والتفريق بين «الدافع» و «الآثار» ، وعدم الخلط بينهما في تفسير ظاهرة من الظواهر.
ولنفترض ـ في المقام ـ ان الجهل والخوف هما اللذان دفعا الانسان الى التحري عن علل الحوادث ، ثم نشأت العقيدة على أثر ذلك ، الا أن كون «الدوافع» لنشأة العقيدة بلا قيمة لا يوجب أن تكون العقيدة ذاتها أمراً لا قيمة له ، بل يجب أن توزن نفس العقيدة وينظر اليها ـ ذاتها ـ بعين التقييم ، وانها هل هي مطابقة لمنطق العقل والبرهان أم لا ، فلو كانت مطابقة وثابتة بالبرهان لم تضر تفاهة الدافع النشأة العقيدة وردائته بأهميتها (على فرض صحة ذلك الدافع) ، وقد عرفت ان الدافع الى نشوء العقيدة أمران : الاول الفطرة الملهمة بأن هناك ملجأ للانسان وراء الكون ، والثاني هو الرابطة العقلية بين مشاهدة النظام والاعتقاد بالخالق له.
يبقى أن نعرف أن كل ما ذكرناه في هذا المقام انما هو ـ بعد التسليم ـ