من هنا يتضح أن منشأ ظهور العقيدة الدينية ليس هو السبب البعيد (أي الجهل والخوف) بل ان ذلك صار سبباً لتدخل «القوة العاقلة» في المقام ، وبدخالة هذه القوة وتحريها وتحليلها نشأت العقيدة ، وراح الانسان يعتقد بخالق لهذا الكون ومبدع لنظامه العظيم.
فالدور الأساسي ـ هنا ـ انما هو للعقل والوعي لا للجهل والخوف.
ويمكن بيان ذلك بنحو آخر وهو ان الانسان خاف من الحوادث فصار خوفه ذلك موجباً لتفكره ، ولتفتيشه عما يرفع آثار هذا الخوف فانتهى إلى فكرة الاله الخالق وراء هذه الحوادث وانه هو الرافع لهذه الاثار المرعبة.
فبزوغ هذه الفكرة والعقيدة يرجع إلى التفكر وان كان الخوف ارضية مناسبة التحرك الفكر ومن ثم الوقوف على هذه الفكرة.
وهكذا بالنسبة الى الجهل فان الانسان جهل اسباب الحوادث ، ولاشك أن الجهل وحده امر لا حركة فيه فلا تنبثق منه أية عقيدة وانما دفع هذا الجهل القوة الفكرية لدى الانسان الى امور هي :
١ ـ : إنه لابد لكل ظاهرة من علة ، ولا يمكن حدوث الظاهرة بلا علة.
٢ ـ : حصلت ـ حينذاك ـ فكرة اخرى وهي أن هناك قوة كبرى هي العلة.
٣ ـ : بزغت العقيدة الدينية وما تستتبعه من مفاهيم.
فلو سأل سائل : هل الاصل لنشوء هذه العقيدة هو دخالة القوة العاقلة المفكرة ام نفس الجهل أو الخوف المجردين من كل شيء؟ كان الجواب هو الاول ، نعم غاية الأمر هو أن العقل (حسب زعم المادي) قد اخطأ في اصابة الهدف الصحيح وتشخيص العلل الحقيقية الواقعية وهذا امر آخر غير نسبة الاعتقاد بالاله إلى عامل الخوف مباشرة.
* * *