فاذن لابد أن يكون هناك عامل آخر ينضم إلى ما ذكروه من الجهل والخوف حتى ينشأ عنه مثل هذه العقيدة في الأذهان والنفوس الانسانية ، اذ لا يمكن ان يكون الجهل والخوف البسيطان مبعثين لمثل هذا الاعتقاد العام ، ومنشأين لهذه الحركة العظيمة ، ومنبعين لهذه العقيدة الشاملة الخالدة ، السائدة في جميع ادوار التاريخ والى اليوم الحاضر.
فلابد أن نقول ـ عندئذ ـ ان الانسان عندما وقف على جهله باسباب الحوادث صار ذلك موجباً لتحرك قواه العقلية باتجاه البحث عن سببها ، فتصورت «سبباً» لها ، بغض النظر عما اذا كان الذي توصلت اليه وتصورته من «السبب» صحيحاً أو خطأ.
المهم أن الجهل لم يكن وراء ابتداع فكرة الاله بل كان ارضية مساعدة لان ينشط العقل البشري ويتحرك باتجاه كشف الأسباب.
وهكذا الحال في الخوف فان الانسان عندما واجه إحداث الطبيعة المخيفة صار ذلك الخوف موجباً لان يبحث بعقله عن ركن وثيق يدفع عنه الخوف.
فلم يكن الخوف بما هو سبباً لنشأة العقيدة الدينية بل كان ارضية صالحة لتحرك القوة العقلية باتجاه البحث والتفتيش عن ملجأ طبيعي يسكن الانسان في كنفه.
فنستنتج من ذلك ان الاعتقاد بالله الخالق انما هو نتيجة تحرك القوة العاقلة ودخالتها ، وتحريها الطبيعي للاسباب والعلل ، لأن العقل الإنساني لم يفتأ يتساءل ـ كلما واجه حدثاً ـ عن علته وسببه ، فكان مواجهته للحوادث الطبيعية الرهيبة وما تولد منها من الجهل والخوف سبباً لان يستيقظ العقل ويلتفت ويوسع دائرة تساؤلاته وينتقل من السؤال عن علة الاشياء الصغيرة الجزئية ، إلى السؤال عن علة النظام الكوني الكلي ، وما يقع في اطاره من أحداث جسام وحوادث كبری.