يوجد حتى اذا لم يخلق الله سبحانه سواه من الاشياء ، وبحيث لما خلق الله المادة صارت جليسة للزمان ، فالمادة في سكونها وثباتها ، والزمان في سيلانه وتصرمه كالجالس في نهر جار.
غير ان نظرية الحركة الجوهرية قد فندت هذا الرأي وأبطلت هذا الاتجاه ، وأثبتت ـ في المقابل ـ انه ليس هناك وراء المادة شيء آخر ، وان الزمان وليد حركة المادة وسيلانها وتجددها الذاتي تجدداً مثل تجدّد الزمان ، وان كان الزمان تقدم وتأخر ، فانما هو في ظل تقدم المادة وتأخرها ، وسيلانها وتدرجها المستمر.
فاذا كان الزمان لا يمكن ان يتقدم جزء منه على الاخر لان القبلية والبعدية ذاتية لاجزائه ، فهذا الحكم جار في نفس المادة ، فالحوادث بما ان الزمان منبعث من صميمها ، والتقدم والتأخر ذاتیان لها لا يمكن أن تزول عن اماكنها ومواضعها ، حتى أن عدم امكان التقدم والتأخر للزمان انما هو لكونه ناشئاً من سیلان المادة ، وتقدمها وتأخرها ، وفي ضوء ذلك فالكائنات كل واحد منها واقع في محله نظير وقوع كل عدد في موضعه ، فكل كائن لا يمكن ان يتقدم على كائن آخر ، او يتأخر عنه على غرار ما يتصور في الزمان حيث انهم كانوا يتصورون بانه لا يمكن ان يتقدم الجزء المتأخر ، او يتأخر الجزء المتقدم.
فالحال في الحوادث والكائنات المترتبة المتدرجة في وجودها االحال في الاعداد المتسلسلة ، فكما انه لا يمكن ان يتقدم العدد تسعة على موضعه الخاص به ، ولا ان يتأخر عنه بحيث يصبح بعد العشرة او قبل الثمانية ، هكذا الكائنات المادية ، بل التغير والتبدل فيها يساوي فناءها وعدمها.
وعلى ذلك فلكل حادث موضع معين ومرتبة خاصة به يساوق الخروج منه الخروج عن وجوده بالتالي يساوق عدمه وبالنتيجة فالزمان في التقدم والتأخر