بالله ، ولم يعد لله في نظره أي شغل ولا أية مسؤوليات في الكون ، وبهذا انزوی الاله في عزلة بعد أن كان له سلطان على عقل البشر وضميره.
آن ابرز ما يلوح للنظر من هنات في كلام «كونت» هو :
أولا : انه لم يستطع التحرر من مفاهيم الكنيسة ـ رغم معاداته لها ـ فهو استخدم في كلامه لفظة «الأب» و «الابن» وهي من الفاظ الكنيسة ومصطلحاتها لانها تعتقد بالثالوث المكون من الاب والابن .. الى آخر ذلك ، فهو يعتبر خالق الكون بمنزلة الاب للطبيعة ، والطبيعة بمنزلة الابن الله تعالى ، وهو يشعر بمدى تأثره بالعقائد الكنسية المنحرفة.
ثانياً : أن ما ذكره «كونت» يكشف عن جهله بمنطق الالهيين ، وتصورهم عن دور العلة العليا بالنسبة إلى النظام الكوني.
فقد جهل وغاب عنه أن الفلسفة ـ كما اسلفنا ـ لا تسند الظواهر الطبيعية الا الى عدلها المادية الخاصة ، ولا تحاول ـ مطلقاً ـ اثبات وجود الخالق عن طريق اسناد هذه الظواهر اليه ليكون اكتشاف العلل والأسباب المادية الحقيقية لهذه الظواهر سبباً للاستغناء عن وجود الله ، ثم نفي وجوده بالمرة.
بل ان الفلسفة الالهية تعتقد بان المستند اليه هو مجموع النظام البديع بما فيه من الاسباب والمسببات والعلل والمعلولات الطبيعية المنظمة فهو صادر عنه ، ومخلوق له ، وموجود بفعله ، لاستحالة أن يصدر مثل ذلك النظام البديع الامن فاعل خبير ، وصانع قادر عليم.
وهذا هو ما يرمي الى اثباته برهان النظم وغيره من البراهين التي قررناها في الأبحاث السابقة.
غير ان «كونت» تصور ـ مع الدهماء ـ ان الله جزء من الطبيعة والنظام الكوني ، وانه في عرض العلل المادية بحيث تستند الظواهر الطبيعية ـ علی