الحدّ ، فالإرادات بل كافّة القوى المؤثّرة في عالم الطبائع عملها وفعلها هو التحوّل والتقلّب في عالم الوجود بإخراجه عن حدّ إلى حدّ ، وليس عملها الخلق والإيجاد وتكوين ما لم يكن بل تبديل ما هو كائن بإخراجه عن صورة إلى صورة وعن لباس إلى لباس.
والأصل المحفوظ في كلّ هذه الطوارئ محفوظ من مبدأ عالم الخلقة إلى منتهى طيّ السماوات والأرضين بلا زيادة ولا نقيصة ، فلو أمرت برسم مقدار ذراع من الخطّ كفاك في مقام الامتثال تنصيف الخط المرسوم بمقدار ذراعين بلا حاجة إلى تجديد الرسم. ولئن جدّدت الرسم أيضا لم يكن تجديدك ذلك إيجادا لما لم يكن ، بل تغيير وتبديل فيما هو كائن حتّى برز بصورة خطّ كذائي.
ثمّ لو سلّمنا أنّ الصادر من العلل والفواعل في هذا العالم هو الوجود لا نسلّم أنّه قابل لتعلّق الطلب. ويتّضح ذلك بملاحظة أمرين :
الأوّل : أنّ كلّ ما هبط من عالم النفس إلى الخارج فصورته الحاصلة في النفس قبل الوصول إلى الخارج صورة كليّة ، وإنّما الصورة الجزئيّة هي ما كانت راقية من الخارج إلى النفس.
الثاني : أنّ تصوّر الفعل هو مبدأ للفعل الاختياري ، فأوّل ما يحصل في النفس في سبيل الاختيار هو صورة ذلك الفعل ، ثمّ لا يزال يتولّد ما يتلوها من المقدّمات حتّى تنتهي إلى الإرادة ، وهذه الصورة إن كانت راقية من الخارج لم يعقل توليدها للإرادة ؛ لأنّها تكون إرادة لأمر حاصل. نعم ، تولّد الرضا فالصورة المولّدة للإرادة هي صورة أمر كلّي ، فإذا كان مبدأ الإرادة هي صورة أمر كلّي كانت الإرادة المتولّدة منها أيضا متعلّقة بأمر كلّي ؛ فإنّ الإرادة مولودها المتولّدة على شكلها الواضعة قدمها موضع قدمها. وهذه الإرادة المتعلّقة بأمر كلّي تولّد جزئيّا حقيقيّا خارجيّا. ومقتضى ذلك أن يكون الشخص ـ بما هو شخص ـ خارجا عن حيّز الإرادة أوّلا وآخرا ؛ الأوّل حين لم يكن ، والآخر بعد أن كان وتحقّق.
وإن شئت قل : إنّ المعلوم صلاحه إن كان موجودا خارجيّا لم يؤثّر إلّا في حصول البهجة والالتذاذ به ، وإن كان صورة كليّة أثّر في الحركة نحو تحصيلها ، وليست الإرادة إلّا هذه الصورة المؤثّرة للحركة نحو تحصيل متعلّقها في الخارج.
فصحّ أن نقول : إنّ متعلّق الإرادة والعلم بالمصلحة هو أمر كلّي ، والشخص والجزئي