واحتاج الأوّلون في الحكم بالإطلاق إلى اجتماع مقدّمات سمّوها بمقدّمات الحكمة. ونحن نختار مذهب السلطان (١).
لا نحتاج مع اختيار مذهب السلطان إلى التماس مقدّمات الحكمة.
توضيحه : أنّ مدلول اللفظ إذا كان صرف الماهيّة وكان الإطلاق وعدم الركود على مصداق ذاتيّا لها ، ثمّ ركب هذا اللفظ حكم من الأحكام لا جرم سرى الحكم بسرايته بلا حاجة إلى لحاظ كون مدلول به ماهيّة مطلقة ، بل لو لوحظت كونها مطلقة خرجت عن الإطلاق بالحمل الشائع ؛ إذ لا يصدق بهذا القيد على كلّ فرد ، وإنّما الصادق ذات ما هو مطلق لا الذات بوصف الإطلاق. والمانع عن الصدق حينئذ قيد المطلق ، وإلّا فذات المطلق لا يخرج عن الإطلاق بسبب القيد ؛ لما عرفت أنّ الإطلاق ذاتي له والذاتي لا يتغيّر.
ففي مثل : «أعتق رقبة مؤمنة» الرقبة على إطلاقها الذاتي وإن قيّدت بألف قيد ، وإنّما لا تصدق على غير المؤمنة لعدم صدق قيدها. فحكم الجزء يسري إلى الكلّ وإلى المركّب.
ومنه يظهر أنّ توصيف الماهيّة بأنّها مقيّدة أيضا توصيف لها باعتبار القيد ، ومن باب الصفة بحال المتعلّق ، ومن جهة أنّ قيدها مقيّدة. فصفة التقييد ذاتي للقيد وعرض للمقيّد.
كما أنّه من هذا يعلم أنّ تقسيم الماهيّة إلى الماهيّة بشرط شيء وإلى الماهيّة بشرط لا والماهيّة لا بشرط تقسيم لها باعتبار الطوارئ والعوارض الخارجة ، وأمّا هي في ذاتها فغير خارجة عن اللابشرطيّة والإطلاق الذاتي وإن لوحظت مع ألف قيد.
وأيضا يظهر ممّا قلناه أنّ توصيف الماهيّة بالإهمال توصيف لها باعتبار قيدها ، وإلّا فمتن الماهيّة لا إهمال فيها ، إذا قيّدت بقيد ثمّ أهمل ذكر القيد ولم يعيّن قيل : إنّ الماهيّة مهملة يراد أنّها مهملة القيد لا مهملة الذات ، فالماهيّة المهملة من أقسام الماهيّة المقيّدة وامتازت بأنّها لم يذكر قيدها.
وبالجملة : الإطلاق ذاتي للماهيّة ، فلذا بمحض توجّه الحكم إليها يسري حكمها إلى الأفراد بتبع سراية موضوع الحكم بلا حاجة إلى التماس مقدّمات الحكمة.
ولعلّ المشهور أيضا لا يعنون من دخل الإطلاق في مدلول اللفظ إلّا هذا الإطلاق الذاتي دون لحاظ الإطلاق ، فيرتفع الخلاف بينهم وبين السلطان في مدلول اللفظ. وإنّما يكون
__________________
(١) أي نختار مذهب سلطان العلماء في أنّ أسماء الأجناس موضوعة بإزاء الماهيّات لا بشرط.