الخلاف بينهما في الحاجة إلى مقدّمات الحكمة في الحكم بالإطلاق وسرايته الحكم وعدمها ؛ زعما بأنّ الماهية في ذاتها مهملة لا إطلاق فيها ولا تقييد وقابلة لكلّ من الإطلاق والتقييد.
وقد عرفت أنّ الحقّ في ذلك مع المشهور وأنّ الإطلاق والسريان ذاتي للماهيّة ، فإذا توجّه حكم إلى ما هو مطلق في ذاته سرى الحكم بسرايته بلا حاجة إلى التماس شيء خارجا.
ثمّ لمّا رأوا متابعو السلطان أنّ أرباب المحاورات لا يدورون في الحكم بالإطلاق مدار إحراز المقدّمات فادّعوا أنّ الأصل في ما إذا شكّ في أنّ المتكلّم في مقام البيان أنّه في مقام البيان ، وفي ما إذا شكّ في حصول البيان أنّه لم يحصل. ولعمري إنّ هذا تعسّف في تعسّف.
وليس في أذهان أهل المحاورات والعقلاء من مقدّمات الحكمة عين ولا أثر ، فهم يحكمون بالإطلاق بذلك الإطلاق الذاتي الثابت للماهيّة.
ولا ينقضي تعجّبي كيف رضوا بوضع اللفظ بإزاء معنى مهمل ، مع أنّ المهمل غير قابل للحكم عليه ، والوضع للفظ ضرب من الحكم؟! ولو فرض جواز الحكم عليه لم يسر حكمه إلى جميع أفراد ؛ لأنّ المهمل في قوّة الجزئي ، فلزم ألا يعمّ الوضع جميع الأفراد ، فلا يجوز حمل اسم الجنس على أيّ فرد من أفراد الجنس ، وهو باطل بالوجدان.
هذا كلّه مع أنّه لا جدوى لمقدّمات الحكمة ولا أثر لها في الحكم بالإطلاق ؛ إذ اللفظ إن لم يكن في ذاته إطلاق ، وكان وصفا الإطلاق والتقييد خارجين عنه ملحقين به ونسبته إليهما على حد سواء فكان لا محالة لا اقتضاء بالنسبة إليهما ، ولم يكن الحكم بالإطلاق عند عدم بيان القيد أولى من الحكم بالتقييد عند عدم بيان الإطلاق.
فكما لو كان القيد مرادا قبح ترك التعرّض له ، كذلك لو كان الإطلاق مرادا قبح ترك التنبيه عليه ، وباللازم كان اللفظ عند عدم التنبيه على شيء من الأمرين مهملا وكان ذلك مناقضا لكون المتكلّم في مقام البيان ، وإنّما يكون عدم ذكر القيد دليلا على إرادة الإطلاق حيثما يكون الإطلاق مقتضى طبع اللفظ وضعا أو انصرافا وفي الحقيقة كان الإطلاق قضيّة نفس اللفظ ، والمقدّمات دافعة للمزاحم لا حملة للاقتضاء.
فتحصّل أنّ مقتضى وضع اللفظ هو الإطلاق بلا حاجة إلى المقدّمات ، وعلى تقدير الحاجة لم تجد المقدّمات في الحكم بالإطلاق.