بعد ثبوت الحقيقة في لسانهم يحمل استعمالاتهم على المعاني الجديدة ، كانوا هم الناقلين أو الناقل غيرهم وقد تبعوه. ولا بناء من أهل المحاورات على نفي النقل منهم استبدادا وإثبات التبعيّة لهم في النقل ليكون الشارع هو الناقل في المقام.
وقد يتخيّل (١) ألا محيص من الالتزام بالنقل الشرعي ؛ إذ لا مناسبة بين المعاني الشرعيّة واللغويّة ـ فضلا عن أن تكون أحد مصاديقها ولو في بعض الألفاظ كلفظ الصلاة ـ فلا مصحّح للحمل ، ولا للتجوّز ، فيتعيّن أن تكون استعمالات الشارع على سبيل النقل الارتجالي.
ويدفعه : أنّ هذا ناشئ من قصر الدعاء في الصلاة على القنوت ، وأنّ ما عداه خارج عن الدعاء ، فكيف تطلق الصلاة بمعنى الدعاء على الكلّ ، مع أنّ القنوت ليس جزءها المقوّم كي يكون الاستعمال بعلاقة الكلّ والجزء؟!
ولكنّ الحقّ أنّ كلّ الصلاة دعاء ، وطلب من الله الإقبال وقبول العمل ؛ فإنّ الدعاء هو طلب التوجّه من الغير ، وبهذا المعنى كلّ متكلّم هو داع يدعو مخاطبه بالتوجّه والإقبال على كلامه.
ثمّ لا ثمرة مهمّة لهذا البحث ؛ فإنّ الحقيقة الشرعيّة إن ثبتت أو لم تثبت كان اللازم حمل ألفاظ الشارع على المعاني القديمة ، لمكان الجهل بتأريخ النقل وبتأخّر الاستعمال عنه. وأصالة عدم الاستعمال إلى زمان النقل معارضة بأصالة عدم النقل إلى زمان الاستعمال ، مع أنّه لا يثبت تأخّر الاستعمال عن النقل ولو أثبت لم يجد ؛ لأنّ الحمل على المعنى الجديد ليس أثرا شرعيّا مترتّبا عليه ، ولا بناء من العقلاء على هذا الأصل كي لا يحوج إلى الأثر الشرعي بلا واسطة.
ويمكن أن يقال : إنّ الألفاظ تكون مجملة على القول بالحقيقة الشرعيّة ؛ للجهل بالتأريخ المذكور وعدم بناء على تأخّر النقل بعد العلم بأصله ، فلا يحمل اللفظ على المعاني القديمة ولا على المعاني الحديثة. وهذا بخلاف ما لو نفينا الحقيقة الشرعيّة ، فإنّه تحمل الألفاظ على معانيها القديمة. وكفى بهذا ثمرة للبحث.
__________________
(١) انظر بدائع الأفكار : ١٢٤.