الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٧٤) صدق الله العظيم. [البقرة : ٤٧ ـ ٧٤]
وفى هذه النصوص السامية المعجزة المحكمة نجد القرآن الكريم يذكر بنى إسرائيل بأن الله تعالى خصهم بنعم لم يعطها غيرهم ، وأنه فضلهم فى عصرهم بأن جعل منهم الذين يقاومون طاغوتا من أعظم طواغيت الأرض ، وخصهم بكثرة المعجزات التى تجرى على أيدى نبيهم الذى هو من أولى العزم من الرسل ، وأنه سبحانه جعل من ذرية يعقوب أبيهم أنبياء كثيرين ومرسلين ، ومع هذه النعم المتضافرة ، والآيات المتكاثرة يكفرون بالنعمة ويبطرون معيشتهم ، ويتخذون تفضيل الله لهم تفضيلا نسبيا فى عصرهم ذريعة للكفر بالنعمة ، لا لشكرها ، وأن الله قد أخذ عليهم الميثاق ألا يعبدوا غيره ولا يؤمنوا إلا به ، ولكن نفوسهم التى مردت على التقليد والخنوع للقوى ، سولت لهم أن يعبدوا العجل ، كما كان يعبده المصريون ، وفعلوا ذلك تقليدا ، وخضوعا للأهواء ، وتركوا وراءهم ظهريا أوامر الله تعالى الذى أنقذهم من ظلم فرعون الذى كان يذبح أبناءهم ، ويستحيى نساءهم. ويأمرهم الله تعالى بأن يدخلوا متطامنين خاضعين فيحرفون كلام الله تعالى عن مواضعه ، ويمن الله تعالى عليهم بخير الطعام وأطيبه فيأخذهم الإلف إلى ما دونه ، ويستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير ، لأنهم خاضعون لأهوائهم غير مستطيبين لرزق ربهم ، ويرون المعجزة نهارا ، وينعمون بها إذ يطلبون الماء فلا يجدونه فيأمر الله نبيه موسى الكليم بأن يضرب الحجر بالعصا ، فينبعث اثنتى عشرة عينا ، ويكون لفرقهم الاثنتى عشرة مشاربهم (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٦٠) [البقرة : ٦٠].
ومع هذه النعم المتوالية والآيات البينات الباهرة يأمرهم الله تعالى بالطاعات ويأخذ عليهم الميثاق بأن يرفع عليهم الطور حتى يصير كأنه فوقهم تأكيدا للميثاق بالآية التى اقترنت به ، ومع ذلك لا يطيعون عامدين ، إذ يتولون معرضين عن ذلك البيان الموثق ، لأنهم قد طبعوا على الجحود ، وكانوا مضرب المثل فيه ، وإذا كانت الآيات قد تضافرت بالبيان عليهم ، فإن الله تعالى جعل فيهم ومنهم آية بينة تدل على أن الجحود لا ينشأ عن نقص الدليل ، بل يكون مع تضافر البينات ، فتزيدهم الآيات كفرا وعنادا.