فى الظلام ، فكان وجه الشبه الضلال فى كلّ ، والإيمان مع الإذعان له يبعد عن الضلال بالنور إذ يبعد عن الضلال ، كما يبعد النور عن السير فى الطريق الضال ، ويهدى إلى الطريق المستقيم ، أو نقول أن القرآن الكريم يشبه حال الضالين الذين يطلبون الحق ، ويجدون الهداية ويأخذون بها ، ومع رسولهم الكتاب المبين الذى يهدى بحال أولئك الذين يكونون فى ظلام دامس لا يهتدون معه ، ويخرجون من الظلمة الحالكة إلى النور ، فهو تشبيه حال بحال بجامع الحيرة ثم الاهتداء فى كلّ.
١١٣ ـ ويذكر الرمانى من الاستعارة البيانية قوله تعالى : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) (٤١) [الذاريات : ٤١] ، ويقول فى ذلك الرمانى : العقيم مستعار للريح ، وحقيقته ريح ليس بها سحاب غيث ، والاستعارة أبلغ ، لأن حال العقيم أظهر من حال الريح التى لا تأتى بمطر ، لأن ما يقع لأجل حال منافية أوكد مما يقع فى حال منافية وأظهر ، والمعنى أن الاستعارة هنا فى لفظ عقيم ، لأن العقيم لا يرجى معها خير قط ولا تنتج ، لأن العقم حال تمنع الإنتاج ، فعدم إنتاج الريح بماء ذكر سببه ، وهى أنها ليست منتجة بذاتها كحال العقيم التى لا تحمل ولا تلد ، والوصف بالعقم مناسب لأنهم توقعوا أن يكون غيثا ، فكان فيها الهلاك ، ولقد بين الله تعالى معنى عقمها فى آية أخرى فقال تعالت كلماته : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (٢٥) [الأحقاف : ٢٤ ، ٢٥].
وهكذا نجد الاستعارات البيانية فى القرآن كثيرا ؛ وذلك لأسباب كثيرة نذكر منها ثلاثة :
أولها : أن اللغة العربية لا تتسع للمعانى النفسية السامية فى القرآن ، فإنه علم لا تدل على حقائقه ألفاظ ذات دلالة معينة ، وكانت بلغة العرب الذين لم يصلوا هم ولا غيرهم إلى الحقائق العلمية والنفسية التى يتصدى القرآن الكريم لبيانها ، وكشف عيون الحقائق فيها ، فكان لا بد من الاستعانة بالاستعارة من الألفاظ التى وضعت للمعانى الحسية لتكشف بها العلوم النفسية والاجتماعية والعقلية ، ولتقرب المعانى إلى ذهن الأعراب ، ومن هم أعلى منهم إدراكا لأنه الكتاب المبين ، وليخرج الأميين إلى حيث العلم وإلى الكتاب الذى علم الإنسان ما لم يعلم.
ثانيها : أن القرآن الكريم فيه الأخبار عن الأمور المغيبة التى وقعت فى الماضى ، والأمور القابلة ، وخصوصا ما يكون فى الجنة من نعيم وفى النار من عذاب أليم ، فنعيم الجنة فيه فاكهة ونخل ورمان ، وفيها أنهار من عسل مصفى ، وفيها أنها من خمر لذة للشاربين ، وهكذا ، ولكن أهي من نوع خمر الدنيا ، وفاكهتها؟ لقد ورد عن ابن عباس