فإن الإطناب فى ذلك يزيد قلب النبى صلىاللهعليهوسلم تثبيتا وأنسا ، وأن القصص فوق ذلك يكون مشتملا على مناقشة الأنبياء السابقين لأقوامهم ، وأدلة التوحيد التى جاءت على ألسنتهم ، وفيه بيان أحوال السابقين ، وما كان يسيطر عليهم وعلى بيئاتهم.
وإنه من مواضع الإطناب الذى لا يكفى فيه الإيجاز بطلان عبادة الأوثان ، ومجادلة المشركين ، ورد مطالبهم من معجزات غير القرآن ، وبينات تثبيت الرسالة سواه ، فإن القرآن مشتمل على الكثير منه.
ومن مواضع الإطناب توجيه النظر إلى الكون ، وما فيه من خلق السموات والأرض وما بينهما ، فإن هذه مواضع تحتاج إلى الإطناب الذى لا تغنى فيه الإشارة عن العبارة ، وفى القرآن الكريم من ذلك ما يدل على عظمة الخالق من مظهر المخلوق ، ودلالة الأثر على المؤثر والموجود على من أنشأه ، والحاضر عن الغائب.
ومن مواضع الإطناب مناقشة أهل الكتاب ، وبيان إنكارهم ، وإثبات ماضيهم الذى امتد فى حاضرهم.
١٣٠ ـ ويجب أن ننبه هنا إلى أن التكرار ليس من الإطناب ، وهو من الحشو إذا كان فى سياق واحد ، فالسياق الواحد لا يتكرر فيه المعنى ، ولا يتكرر فيه اللفظ ، وإذا بدا للقارئ الذى لا يمحص المعانى والحقائق أن فى الكلام القرآنى تكرارا للمعنى ، فإن ذلك عند ذوى الفهم السليم تفكير سقيم ؛ لأن تكرار المعنى له وصف آخر يؤدى فكرة جديدة ، ومن ذلك قوله تعالى فى وصف ميثاق بنى إسرائيل الذى أخذ عليهم وأقروا به ثم أعرضوا عنه ، فقد قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (٨٤) [البقرة : ٨٣ ، ٨٤].
ولقد ادعى بعض الناس أن فى الكلام تكرارا فى المعنى فى موضعين ، وإن كان اللفظ لا يتكرر ، ففي الأول يقول تعالى : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) فيدعى بعض الناس أن فى النص الكريم تكرارا ، لأن التولى هو الإعراض ، فما معنى وأنتم معرضون إلا أن يكون تكرارا ، وإن النظر العميق يثبت أولا أن التولى هو الانصراف والبعد بالجسم ، والإعراض هو الانصراف بالقلب ، فأشبه هذا بقوله تعالى : (أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) (٨٣) [الإسراء : ٨٣] وفى هذا تصوير حسى للإعراض فهو لم يعرض بالقلب بعدم الإذعان بل قرن المعنى النفسى بالمظهر الحسى ، كذلك هنا قرن الإعراض النفسى بالمعنى الحسى لتصوير الإعراض ـ وجعل الحق وراءهم حسيا ، ثم قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) حال وفيه معنى توليتم إن