إطناب فيها فضلا عن التطويل ، والطول للآية يعطيها ألفاظا كثيرة ومعانى كثيرة ، ربما تكون أكثر من الألفاظ.
وأن الطول لا يبعد عن حلاوة النغم ، وجمال النسق ، وحسن النظم ، وحلاوته ، ومن الآيات ما يكون قصيرا كما ذكرنا والفواصل متآخية ، والمعانى متكاملة. اقرأ قوله تعالى : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) (٨٧) [طه : ٨٣ ـ ٨٧].
وترى أن هذه الآيات بعضها قصار ، والأخير كان منها طويلا نسبيا ، لأن فيها عتابا ، وطبيعة العتاب لا يكون قصيرا ، ولا يكون بالإشارة.
واقرأ قوله تعالى فى هذه السورة : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (١٠٨) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) (١١١) [طه : ١٠٥ ـ ١١١].
وإننا نجد فى الظاهرة القرآنية العالية أن الآيات القصار تختص عن غيرها بأن لها خاصة وهى الاعتبار والوقوف عند فواصلها المقاربة غير المتباعدة ، فتكون وقفة يقضى السكون عندها ، فالجواب عن حال الجبال وهى أوتاد الأرض وبها تتماسك بأمر الله تعالى ، بأن الله تعالى ينسفها نسفا ، وفى هذه الوقفة الصامتة يتدبر أمر الله فى نسف الجبال ، ويتخيل ذلك ، فيدرك قدرة الله تعالى على الإعادة ، ويتدبر الأرض وقد نسفت جبالها ليس بها علو بتضاريس ، ولا انخفاض بجوار علو ، وهكذا تتبع الآيات القصير ، والوقوف عند آخر كل آية ، وكأن الله سبحانه وتعالى يدعوك إلى أن تقف لتتدبر وتتفكر ، وتعرف مآلك ، وأنه لا غرابة فى أن تعاد الأجسام يوم البعث والنشور.
وإن الآيات الطوال تكون فى موضوع يحتاج إلى التدبر فى أوله وآخره ، وأخذه جميعا ، كما رأينا فى آيات الأحكام ، وفى بعض القصص الذى يكون التدبر فى مجموعه لا فى آحاده ، وفيه يتلاحق آخره بأوله ، كما رأينا فى النعم التى أفاض الله بها على بنى إسرائيل ، وكيف لاقوها بالكفران والعتو عتوا كبيرا.