١٣٩ ـ هذه الأخبار عن الماضى يشتمل عليها القرآن الكريم ، وهى فيما احتوت دليل قاطع على أن القرآن من عند الله ، إذ جاء بها أمى لا يقرأ ولا يكتب ، كما قال تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٤٨) [العنكبوت : ٤٨].
وأما الإخبار عن أمور وقعت فى المستقبل كما أخبر القرآن الكريم ، وما كان لأحد أن يعلمها إلا من قبل العليم الحكيم اللطيف الخبير ، الذى لا يغيب عن علمه شىء فى السماء ولا فى الأرض فهو كثير.
ومن ذلك إخبار القرآن عن هزيمة الفرس بعد غلبهم ، فقد قال سبحانه : (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ) [الروم : ١ ـ ٤].
وقد حدث ما أخبر به القرآن ، فقد دارت رحا الحرب من بعد ذلك وهزم الفرس فى بضع سنين ، وما كان النبى صلىاللهعليهوسلم ممن حضر هذه الحرب ، وعرف سبب الغلب ، وما يتوقع من بعده ، وقد تفاءل المشركون من هزيمة الروم ، وهم أهل كتاب ، وعلو الفرس ، وهم أهل شرك ، وحسبوا من ذلك أن دعوة محمد مآلها الخسران ، وشأنهم فى ذلك هو شأن الذين يبنون علمهم على الأوهام ، وتخيل ما يحبون.
ومن ذلك أيضا ما كان قبيل غزوة بدر الكبرى إذ يقول سبحانه وتعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) [الأنفال : ٧] لقد خرجت قريش بعيرها التى كانت فيها ثروة قريش كلها ، وأراد المؤمنون أن يترصدوها مضايقة للكفار ، وأن يأخذوها نظير ما أخرجوا المؤمنين من ديارهم وأموالهم ، ولكن أبا سفيان التوى عن طريق يثرب ، ونجا بالعير ، وكان قد طلب إلى قريش أن ترسل جيشا يحمى عيرها ، ويغزو موطن الخطر ، فكانت المعركة ، فهم أرادوا ابتداء العير ، وليست ذات الشوكة ، وأراد الله تعالى الجيش ، وكان ذات الشوكة.
وما كانوا يتوقعون النصر على المشركين ، ولكنها حرب الفداء للعقيدة ، لا ينظر فيها إلى الاستيلاء ، بل ينظر فيها إلى الاستشهاد ، ولكن الله تعالى أخبرهم بالنتيجة قبل وقوعها ، فقال تعالت قدرته : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (٤٥) [القمر : ٤٥] فكان هذا إخبارا بمغيب لم يكن إلا فى علم الله تعالى.
ومن ذلك إخباره عن اليهود بقوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) [البقرة : ٩٦].