للعظة ، والاعتبار ، وتوجيه النفوس ، وكل تطريب بالألحان قديمه وجديده هو إلهاء عن ذكر الله تعالى ، وإبعاد عن مراميه ومغازيه ، فتكون النفس مشغولة بالنغم الملهى عن معنى القرآن ومرماه.
٢٦٥ ـ وإننا لا نبعد بهذا الكلام عن حقيقة مقررة ثابتة ، وهى اتباع السلف فى التلاوة ، وهى تنتهى فى أصلها إلى منزل القرآن الكريم الذى جعله حجة وبرهانا ومعجزة ، وقال سبحانه وتعالى فيه : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٨٨) [الإسراء : ٨٨] كما تلونا من قبل.
فكل مخالفة السلف الصالح فى التلاوة ، مخالفة لما أمر الله تعالى به فى قوله تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) ولكن وردت آثار عن الرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوهم ظاهرها جواز التغنى بالقرآن ، والتطريب به ، والترجيع فيه ، وكان لنا ـ أن نحكم بعدم صحة نسبتها إلى الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم ، ولكن ذلك يكون إذا كانت تدل قريبا أو بعيدا على جواز الغناء الذى نراه الآن من بعض القراء ، وعلى ما يريده الذين لم يعرفوا بأنهم أرادوا للإسلام وقارا ، بل يريدونه بورا ، أو كما يبدو فى كتاباتهم ، والله عليم بضمائرهم.
ولكنا إذا تفهمنا هذه الآثار عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وعن صحابته رضوان الله تعالى عليهم ، وما ترمى إليه ، إن صحت النسبة ، وجدنا أننا لسنا فى حاجة إلى رد صحيح السند منها ، لأن متنه لا يخالف الترتيل الذى جاء به رب القرآن ورب محمد ، ورب العالمين.
١ ـ لقد روى أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال فيما رواه عنه البراء بن عازب «زينوا القرآن بأصواتكم».
٢ ـ وأخرج مسلم «ليس منا من لم يتغن بالقرآن».
٣ ـ ولقد كان عليه الصلاة والسلام يسره أن يسمع القرآن من أبى موسى الأشعرى ، حتى روى أنه قال فى سرور بقراءته : «لقد أعطيت مزمارا من مزامير داود» وأنه سمعه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، فاستطاب ما يسمعه من صوته وأبو موسى لم يشعر ، فلما شعر قال : «لو أعلم أنك تسمع لقراءتى لحبرت لك تحبيرا».
٤ ـ وروى عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : «تعلموا القرآن ، وغنوا به ، واكتبوه فو الله إنه لأشد تفصيا من المخاض من العقل».
٥ ـ قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عام الفتح فى مسيرته سورة الفتح على راحلته فرجع ، والترجيع فى القراءة ترديد الحروف.