المعجز لخرج القرآن عن أن يكون معجزا وذلك خلاف الإجماع ، وإذا كان كذلك علم أن نفس القرآن هو المعجز ، وأن فصاحته وبلاغته أمر خارق للعادة إذ لم يوجد كلام قط على هذا الوجه ، فلما لم يكن كذلك مألوفا معتادا منهم دل على أن المنع والصرفة لم يكن معجزا».
٤٠ ـ ومن هذا نرى أن القرطبى قد أتى بوجوه كثيرة عدها من إعجاز القرآن ، وقد ذكر عشرة ، وإنه لكى يكون استقراؤه كاملا لا نقص فيه أتى بالصرفة ، وعدها وجها من الوجوه عند بعضهم ، وقد رددناها كما ردها هو ، وانتهى إلى أن إعجاز القرآن ذاتى وليس من أمر خارج. وأقمنا كما أقام الدليل على ذلك ، مما لا يجعل موضعا لهذا القول ، وبينا مصدرها الهندى ، وأنها فكرة دخيلة على المسلمين ، والحقائق تخالفها ، والوقائع تجافيها.
ولكن يجب أن يلاحظ فيما أحصاه القرطبى ، والقاضى عياض أمران :
١ ـ أولهما ـ أن الأقسام التى ذكراها يتداخل بعضها فى بعض ، أو أنهما جعلا ما يتعلق بالنظم جزءا منه خاصا بفصاحة القول وجزءا يتعلق بالنظم وجزءا يتعلق بالأسلوب ، وجزءا يتعلق بالجزالة ، وجزءا يتعلق بالتصرف فى القول ، وكل ذلك يتعلق بالمنهج البيانى القرآنى ، وهذه الكلمة تجمع تلك الأقسام كلها ، فلا تخرج من عمومها خارجة.
والأمر الثانى : أن بعض هذه الوجوه تحدى بها القرآن الكريم ، فقد تحداهم الله تعالى أن يأتوا بمثله ولو عشر سور مفتريات ، والوجوه الأخرى لم يتحد بها القرآن الكريم ، وإن كانت من عند الله تعالى العليم الحكيم مثل إخباره عن أمور مغيبة فى المستقبل ، ثم وقوعها كما أخبر الله سبحانه وتعالى فى كتابه.
وإخباره عن الأمم السابقة ، وإخباره عن شأن عبد الله الصالح مع موسى نبى الله تعالى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم ، ومثل قصة أهل الكهف ، وذى القرنين. فذكر هذا فى القرآن الذى نزل على أمى لا يقرأ ولا يكتب ولم يجلس إلى معلم دليل على أنه من عند الله سبحانه وتعالى.
ومن هذه الأحكام الشرعية التى اشتمل عليها القرآن ، فإنها لا يمكن أن تكون من عند محمد صلىاللهعليهوسلم بل هى من عند الله.
وقد كتبنا فى هذه عدة بحوث فى إحدى المجلات (١) الإسلامية ، بعنوان (شريعة القرآن دليل على أنه من عند الله) جمعتها إحدى الهيئات الإسلامية فى رسالة ،
__________________
(١) مجلة «المسلمون» ومجلس الشئون الإسلامية هو الذى جمع البحوث وترجمها إلى الإنجليزية والفرنسية.