قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(١) النّجوى هنا مصدر فقط. وقد فسّرت بقوله تعالى : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) الآية. وإنما قال تعالى : (وَأَسَرُّوا) مع لفظ (النَّجْوَى) منبهة أنّهم لم يظهروا ذلك بوجه من الوجوه ، لأنّ النّجوى ربما تظهر. فبالغوا بإخفائها ، فلله درّ فصاحة القرآن!
قوله : (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا)(٢) أي : مناجيا لربّه ، أي مناجى من ربّه حسبما شرحه في قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً)(٣). فنجيّ فعيل إمّا بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول. ويقع وصفا للفاعل كما مرّ ، وللجمع كقوله تعالى : (خَلَصُوا نَجِيًّا)(٤) أي متناجين يتسارّون فيما يفعلونه ويقولونه لأبيهم. ومعنى خلصوا أي انفردوا عن كلّ أحد. ولا نجد لمحض الرأي واستخراج زبدته أعوز من الخلوة وقلّة اللفظ.
وانتجيت زيدا : استخلصته لسرّي. وأنجى فلان : أتى نجوة (٥) وهم في أرض نجاة ، أي في أرض مستنجى من شجرها العصيّ والقسيّ. والنّجا عند العرب : عيدان قد قشرته.
وقال بعضهم : نجوت فلانا : استنكهته ، واحتجّ بقول الشاعر (٦) : [من الوافر]
نجوت مجالدا فوجدت منه |
|
كريح الكلب ، مات حديث عهد |
وكأنّ هذا القائل إنما أخذ ذلك من مجرد هذا البيت فأثبته لغة. قال الراغب (٧) : فإن يكن حمل نجوت على هذا المعنى من أجل هذا البيت فليس في البيت حجة. وإنما أراد أني ساررته فوجدت من بخره ريح الكلب الميت. وكنّى بالنجو عن الأذى الخارج.
ومنه شرب دواء فما أنجاه ، أي لم يفده. والاستنجاء : قطع النجو وإزالته. وأصل
__________________
(١) ٣ / الأنبياء : ٢١.
(٢) ٥٢ / مريم : ١٩.
(٣) ١٦٤ / النساء : ٤.
(٤) ٨٠ / يوسف : ١٢.
(٥) في النص اضطراب ، قومناه من المفردات : ٤٨٤.
(٦) البيت من شواهد اللسان ـ مادة نجا ، والمفردات : ٤٨٤.
(٧) المفردات : ٤٨٤ ، وقد أنقص الناسخ كلاما للراغب فأكملناه.