عن غيره : إنه أراد بالسّمع وعي ما يسمع والعمل به ، وبالبصر الاعتبار بما يرى من صفاته جلّ وعزّ. الوارث هو الباقي بعد فناء خلقه. فيجوز أنّه أراد بقاء السمع والبصر وقوّتهما عند الكبر وانحلال القوى النّفسانية ، ويكون السّمع والبصر وارثي سائر القوى والباقيين بعدها. وردّ الهاء إلى الإمتاع ، ولذلك وحّدها بمعنى أنّه أعاد الضّمير مفردا وإن تقدّم شيئان اعتبارا بالمصدر المدلول عليه الفعل.
قوله تعالى : (وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)(١) أي يرث العلم والنّبوّة ؛ تمنّى بقاء العلم والنبوّة في عقبه ؛ فإنّ الأنبياء لا يورّثونه (٢) ، إنّما يورّثون العلم ، لأنّهم لا يعرفون به (٣) ولا يقتنونه إلا بقدر ما تدفع الحاجة ، ولا يتنافسون فيه بل ينهون عن الاستكثار منه ، وعن الاشتغال به عمّا الإنسان بصدده من الأمور الأخرويّة ، ويزهدون في الدّنيا ويرغبون في الآخرة. فكيف يتمنّون أن يورثوا غيرهم ذلك؟ وقد قال عليه الصلاة والسّلام : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة» (٤). وقوله عليه الصلاة والسّلام : «العلماء ورثة الأنبياء» (٥) إشارة إلى ما يورّثونه من العلم ، والتقدير عليه والأمر به دون إحداث شريعة أخرى. وفي قوله : «الأنبياء» دقيقة ، وذلك أنّ شأن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يقرّر شريعة من تقدّمه من الرسل ، ويحمل الناس عليها من غير تشريع جديد بخلاف الرّسول فإنه يأتي بشريعة أخرى غير التي كانت لمن قبله. فلذلك قال «ورثة الأنبياء» ولم يقل : «ورثة الرّسل» فإنّ كلّ رسول نبيّ من غير عكس.
وقال عليه الصلاة والسّلام لابن عمّه عليّ : «أنت أخي ووارثي. قال : وما أرثك؟ قال : ما ورّثت الأنبياء قبلي ؛ كتاب الله وسنّتي» (٦) وناهيك بهاتين المنقبتين لأمير المؤمنين لو لم يكن غيرهما لكفتاه فخرا. قوله : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(٧) أي يتمكّنون
__________________
(١) ٦ / مريم : ١٩.
(٢) يريد : لا يورثون المال.
(٣) وفي س : لا يعنون به.
(٤) رواه الإمام أحمد بن حنبل : ٢ ، ٤٦٣ ، والبخاري في الخمس : ١.
(٥) المفردات : ٥١٩.
(٦) المصدر السابق.
(٧) ١٠٥ / الأنبياء : ٢١.