فيها فيكونون كما أخبر عنهم (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ)(١) لأنّهم يتكبّرون على أهلها ويرثون عنهم أموالها وخراجها ، ويضيّقون عليهم مسالكها ومساكنها ، ويخيفون سبلها. قال بعضهم في هذه الآية : الوراثة الحقيقية أن يحصل للإنسان شيء لا يكون عليه ولا فيه تبعة ولا عليه محاسبة. وعباد الله الصالحون لا يتناولون شيئا من الدنيا إلا بقدر ما يجب ، وعلى الوجه الذي يجب. ومن تناول الدنيا على هذا الوجه لا يحاسب عليه ولا يعاقب ، بل يكون ذلك عفوا صفوا. كما روي : «من حاسب نفسه في الدّنيا لم يحاسبه الله في الآخرة».
و ر د :
قوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ)(٢). أصل الورود قصد الماء ، ثم يستعمل في غيره اتّساعا. قال تعالى : (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ)(٣). وقال : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها)(٤). والورود : الماء المرشّح للورود. وقيل في قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) أي حاضرها وإن لم يشرع فيها. وقيل : يقتضي ذلك الشّروع إلا أنّه من كان من الأولياء لا يؤثّر فيه ، بل يكون حاله في الآخرة كحال خليل الرحمن في الدّنيا حيث ألقي في النار. قال ابن عرفة : الورد عند العرب موافاة المكان قبل دخوله. وقد يكون الورود دخولا. قال : ويؤيد كونه ليس بدخول حديث عائشة. وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ)(٥). وقوله : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) أي بلغه. وأنشد لزهير بن أبي سلمى (٦) : [من الطويل]
فلمّا وردن الماء زرقا جمامه |
|
وضعن عصيّ الحاضر المتخيّم |
قوله : (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ)(٧) الورد هو الماء الذي يورد ، ويكون للإبل
__________________
(١) ٤١ / الحج : ٢٢.
(٢) ٢٣ / القصص : ٢٨.
(٣) ٩٨ / هود : ١١.
(٤) ٧١ / مريم : ١٩.
(٥) ١٠١ / الأنبياء : ٢١.
(٦) شعر زهير : ١٣. زرقا جمامه : صاف. الجمام : جمع جمة وهو ما اجتمع من الماء.
(٧) ٩٨ / هود : ١١.