الحديث الثاني: روى عبد الرّحمن بن عياش عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: أنت أعلم يا رب، فوضع كفه بين كتفيّ فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماوات والأرض».
قال الإمام أحمد: أصل هذا الحديث وطرقه مضطربة وقد روي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «أتاني آت في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري، فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعرفت كل شيء يسألني عنه» وروي من حديث ثوبان قال: خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد صلاة الصبح فقال: «إن ربي أتاني الليلة في أحسن صورة فقال لي: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أعلم يا رب، فوضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري فتجلّى لي ما بين السماء والأرض».
وهذه أحاديث مختلفة وأحسن طرقها يدل على أن ذلك كان في النوم ورؤيا المنام وهم والأوهام لا تكون حقائق(١). وأن الإنسان يرى كأنه يطير أو كأنه قد صار بهيمة وقد رأى أقوام في منامهم الحق سبحانه على ما ذكرنا، وإن قلنا إنه رآه في اليقظة فالصورة إن قلنا ترجع إلى اللّه تعالى فالمعنى رأيته على أحسن صفاته من الإقبال عليّ والرضا عني، وإن قلنا: ترجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فالمعنى رأيته وأنا على أحسن صورة(٢). وروى ابن حامد من حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «لما أسري بي رأيت الرّحمن تعالى في صورة شاب أمرد له نور يتلألأ وعن عن»(٣). وصفه لكم فسألت ربي أن يكرمني برؤيته وإذا كأنه عروس حين كشف عنه
__________________
(١) يقول الحافظ ابن حجر في مثل هذا المقام: ولا التفات إلى من تعقب كلامه بقوله في الحديث الصحيح: «إن رؤيا الأنبياء وحي» فلا يحتاج إلى تعبير لأنه كلام من لم يمعن النظر في هذا المحل، فقد تقدم في كتاب التعبير أن بعض رؤى الأنبياء يقبل التعبير أه (ز).
(٢) بقي على المؤلف أن يتكلم على عجز الحديث، ونحن ننقل عن (أساس التقديس للفخر الرازي) ما بقي بالغرض: وأما قوله: «وضع يده بين كتفي» ففي وجهان: الأول: المراد منه المبالغة في الاهتمام بحاله والاعتناء بشأنه. الثاني: أن يكون المراد من اليد النعمة، وأما قوله: «بين كتفي» فإن صحّ فالمراد منه أنه أوصل إلى قلبه من أنواع اللطف والرحمة، وأما قوله: «فوجدت بردها» فيحتمل أن المعنى برد النعمة وروحها وراحتها، من قولهم: عيش بارد إذا كان رغدا، والذي يدل على أن المراد منه كمال المعارف قوله عليه السلام في آخر الحديث «فعلمت ما بين المشرق والمغرب» اه (ز).
(٣) هكذا في الأصل المحفوظ لدينا.