الحديث الخامس: روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «يجمع اللّه الناس فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبعون ما كانوا يعبدون وتبقى هذه الأمة بمنافقيها فيأتيهم اللّه تعالى في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ باللّه تعالى منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم في الصورة التي يعرفونها فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا».
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيقال هل بينكم وبينه آية تعرفونها فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن»(١).
اعلم أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد أن اللّه سبحانه وتعالى لا يجوز عليه الصورة التي هي هيئة وتأليف؛ قال أبو سليمان الخطابي: معنى فيأتيهم اللّه تعالى أي يكشف الحجاب لهم حتى يرونه عيانا كما كانوا عرفوه في الدنيا استدلالا فرؤيته بعد أن لم يكونوا رأوه بمنزلة إتيان الآتي لم يكن شوهد قبل.
وقال بعض العلماء: يأتيهم بأهوال القيامة وصور الملائكة(٢). ولم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقول: إذا جاء ربنا عرفناه أي إذا أتانا نعرفه من لطفه وهي الصورة التي يعرفون فيكشف عن ساق أي عن شدة كأنه يرفع تلك الشدائد المهولة فيسجدون شكرا؛ وقال بعضهم: صورة يمتحنهم بها كما يبعث الدجال فيقولون نعوذ باللّه تعالى منك. وفي حديث أبي موسى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «أن الناس يقولون إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا فيقال: أو تعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون: نعم، فيقال: كيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: إنه لا شبيه له، فيكشف الحجاب فينظرون إلى اللّه عزّ وجل فيخرّون سجّدا» قال ابن عقيل: الصورة على الحقيقة تقع على التخاطيط والأشكال وذلك من صفات الأجسام، والذي صرفنا عن كونه جسما من الأدلة القطعية قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشّورى: ١١] ومن الأدلة العقلية
__________________
(١) لقدم الكلام على هذا الحديث عند تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سٰاقٍ) [القلم: ٤٢].
(٢) باعتبار (في) بمعنى الباء، ونظيره قول ابن عباس في قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّٰ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّٰهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمٰامِ) [البقرة: ٢١٠] أي بظلل من الغمام على ما نقله الفخر الرازي في كتابه (أساس التقديس) (ز).