الحديث الحادي عشر: روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض»(١).
قلت: الواجب علينا أن نعتقد أن ذات اللّه عزّ وجل لا تتبعض ولا يحويها مكان ولا توصف بالتغير ولا بالانتقال، وقد حكى أبو عبيد الهروي عن الحسن البصري أنه قال: القدم هم الذين قدمهم اللّه لها من شرار خلقه وأثبتهم لها، وقال أبو منصور الأزهري: القدم الذين تقدم القول بتخليدهم في النار، يقال لما قدم قدم ولما هدم هدم، ويؤيد هذا قوله: «وأما الجنة فينشئ لها خلقا».
ووجه ثان أن كل قادم عليها يسمى قدما فالقدم جمع قادم، ومن يرويه بلفظ (الرجل) فإنه يقال: (رجل من جراد) فيكون المراد يدخلها جماعة يشبهون في كثرتهم الجراد فيسرعون التهافت فيها.
وقال القاضي (أبو يعلى): القدم صفة ذاتية، قال ابن الزاغوني: يقول إنما وضع قدمه في النار ليخبرهم أن أصنامهم تحترق وأنا لا أحترق. وهذا إثبات تبعيض وهو من أقبح الاعتقادات.
ورأيت أبا بكر بن خزيمة قد جمع كتابا في الصفات(٢). وبوّبه فقال: باب إثبات اليد، باب إمساك السماوات على أصابعه، باب إثبات الرجل وإن رغمت المعتزلة، ثم قال: قال اللّه تعالى: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهٰا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهٰا) [الأعراف: ١٩٥] فأعلمنا أن ما لا يد له ولا رجل فهو كالأنعام.
قال ابن عقيل: تعالى اللّه أن يكون له صفة تشغل الأمكنة، وليس الحق تعالى بذي أجزاء وأبعاض فيعالج بها، ثم إنه أليس يعمل في النار أمر وتكوينه حتى يستعين بشيء من ذاته ويعالجها بصفة من صفاته وهو القائل: (كُونِي بَرْداً وَسَلاٰماً) [الأنبياء:
٦٩] فما أسخف هذا الاعتقاد وأبعده عن مكون الأملاك والأفلاك، وقد صرح
__________________
(١) يقول جار اللّه الزمخشري في كتابه (الفائق في غريب الحديث): وضع القدم على الشيء مثل للردع والقمع، فكأنه قال: يأتيها أمر اللّه فيكفها عن طلب المزيد فترتدع ه. وفي أساس البلاغة: من المجاز «فيضع قدمه عليها» أي فيسكنها ويكسر سورتها كما يضع الرجل قدمه على الشيء المضطرب فيسكنه.
(٢) وهو الكتاب الذي يسميه (كتاب التوحيد)، والإمام فخر الدين الرازي يقول عنه: (وهو في الحقيقة كتاب الشرك) (ز).