وهل يجوز لعاقل أن يثبت للّه تعالى خلفا وأماما وفخذا! ما ينبغي أن نحدّث هؤلاء لأنا قد عرفنا الفخذ فيقال: ليس بفخذ والخلف ليس بخلف، ومثل هؤلاء لا يحدثون فإنهم يكابرون العقول كأنهم يحدثون الأطفال.
* * *
الحديث الرابع عشر: روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم «يضحك اللّه إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة» وفي أفراد مسلم من حديث ابن مسعود أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخبر عن آخر من يدخل الجنة وضحك، فقيل: مم تضحك؟ فقال: «من ضحك رب العالمين».
اعلم أن الضحك له معان ترجع إلى معنى البيان والظهور وكل من أبدى عن أمر كان مستورا قيل قد ضحك، يقال: «ضحكت الأرض بالنبات» إذا ظهر فيها وانفتق عن زهره، كما يقال «بكت السماء» قال الشاعر:
كل يوم بأقحوان جديد |
|
تضحك الأرض من بكاء السماء |
وكذلك الضحك الذي يعتري البشر إنما هو انفتاح الفم عن الأسنان، وهذا يستحيل على اللّه سبحانه وتعالى فوجب حمله على معنى أبدى اللّه تعالى كرمه وفضله. ومعنى «ضحكت لضحك ربي» أبديت عن أسناني بفتح فمي لإظهار ربي كرمه وفضله. وقد روي في حديث موقوف «ضحك حتى بدت لهواته وأضراسه» ذكره الخلال في كتاب السنة. وقال المروزي: قلت لأبي عبد اللّه: ما تقول في هذا الحديث؟ قال: «يشفع» ثم يقول: على تقدير الصحة يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون ذلك راجعا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم كأنه ضحك حين أخبر بضحك الرب جلّ جلاله حتى بدت لهواته وأضراسه وهذا هو الصحيح لو ثبت الحديث؛ والثني أن يكون تجوزا عن كثرة الكرم وسعة الرضا كما جوّز بقوله: «ومن أتاني يمشي أتيته هرولة».
قال القاضي (أبو يعلى) لا يمتنع الأخذ بظاهر الأحاديث وإمرارها على ظواهرها من غير تأويل.
قلت: وا عجبا قد أثبت للّه تعالى صفات بأحاديث آحاد وألفاظ لا تصح وقد أثبت الأضراس، فما عنده من الإسلام خبر.
* * *