العماء السحاب، واعلم أن الفوق والتحت يرجعان إلى السحاب لا إلى اللّه تعالى و «في» بمعنى فوق، والمعنى: كان فوق السحاب بالتدبير والقهر. ولما كان القوم يأنسون بالمخلوقات سألوا عنها، والسحاب من جملة خلقه، ولو سئل عما قبل السحاب لأخبر أن اللّه تعالى كان ولا شيء معه، كما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «كان اللّه سبحانه وتعالى ولا شيء معه» ولسنا نختلف أن الجبار تعالى لا يعلوه شيء من خلقه بحال وأنه لا يحل في الأشياء بنفسه ولا يزول عنها، لأنه لو حلّ بها كان منها ولو زال عنها لنأى عنها ..
* * *
الحديث التاسع عشر: روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير يقول من يدعوني فأستجيب له».
روى حديث النزول عشرون صحابيا، وقد سبق القول إنه يستحيل على اللّه عزّ وجل الحركة والنقلة والتغير، فيبقى الناس رجلين:
أحدهما: المتأول بمعنى أنه يقرب برحمته، وقد ذكر أشياء بالنزول فقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) [الحديد: ٢٥] وإن كان معدنه في الأرض، وقال تعالى: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعٰامِ ثَمٰانِيَةَ أَزْوٰاجٍ) [الزّمر: ٦] ومن لم يعرف نزول الجمل كيف يتكلم في الجمل.
والثاني: الساكت عن الكلام في ذلك مع اعتقاد التنزيه، والواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة، وأن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام: جسم عال هو مكان لساكنه، وجسم سافل، وجسم منتقل من علو إلى سفل وهذا لا يجوز على اللّه عزّ وجل.
قال ابن حامد: هو على العرش بذاته مماس له وينزل من مكانه الذي هو فيه وينتقل. وهذا رجل لا يعرف ما يجوز على اللّه تعالى. وقال القاضي (أبو يعلى): النزول صفة ذاتية ولا نقول نزول انتقال. وهذا مغالط ومنهم من قال يتحرك إذا نزل. وما يدري أن الحركة لا تجوز على اللّه تعالى. وقد حكوا عن الإمام أحمد ذلك وهو