الحديث الثالث والعشرون: روى ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «إن أهل الجنة يرون ربهم تعالى في كل جمعة في رمال الكافور وأقربهم منه مجلسا أسرعهم إليه يوم الجمعة».
قوله: «في رمال الكافور» إشارة إلى الحاضرين ثمّ في رمال الكافور وأقربهم منه أي أحظاهم عنده.
وفي حديث آخر: «المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرّحمن». وقال بعضهم: «يمين العرش» وفي حديث سوق الجنة: «ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره اللّه محاضرة» ويروى خاصره بالخاء المعجمة. وهذا يرويه يوسف بن عبد اللّه وهو خطأ والمخاصرة المصافحة. وقال القاضي (أبو يعلى): لا يمتنع أن يكون الحق تعالى في رمال الكافور. فقد أقرّ بالحصر، ثم قال: لا على وجه الانتقال. وهذا تلاعب، ثم قال: ولا يمتنع قربهم من الذات، وهذا يضيع معه الحديث، واستدل بقوله: «ما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه تعالى» وقال: الخلوة عبارة عن القرب ويجوز القرب من الذات. وقد سبق ردّ هذا.
* * *
الحديث الرابع والعشرون: روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: جاء حبر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا محمد إن اللّه يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع والأرضين على إصبع والجبال والشجر على إصبع، وفي لفظ والماء والثرى على إصبع ثم يهزهن فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال: وَمٰا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام: ٩١].
قلت: وظاهر ضحك النبي صلى اللّه عليه وسلم الإنكار(١) ، واليهود مشبهة، ونزول الآية دليل على إنكار الرسول صلى اللّه عليه وسلم عليهم، وفي معنى هذا الحديث قوله صلى اللّه عليه وسلم: «إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرّحمن يقلبها كيف يشاء» ولما كان القلب بين إصبعين ذليلا مقهورا دلّ هذا على أن القلوب مقهورة لمقلبها.
وقال القاضي (أبو يعلى): غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في إثبات الأصابع صفات راجعة إلى الذات لأنّا لا نثبت أصابع هي جارحة ولا أبعاض. وهذا كلام
__________________
(١) يستبعد ابن خزيمة ـ وهو ممن وقع في خطأ التشبيه ـ أن يكون ضحك الرسول صلى اللّه عليه وسلم إنكارا، وقد نقض الحافظ ابن حجر زعمه هذا في الفتح (ز).