مخلط لأنه إما أن يثبت جوارح وإما أن يتأولها. وأما حملها على ظاهرها فظاهرها الجوارح ثم يقول: ليست أبعاضا. فهذا كلام قائم قاعد ويضيع الخطاب لمن يقول هذا.
* * *
الحديث الخامس والعشرون: روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «يطوي اللّه عزّ وجل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ...»(١). هكذا رواه مسلم وهي أتم الروايات؛ وقد ثبت بالدليل القاطع أن يد الحق سبحانه وتعالى ليست جارحة وأن قبضته الأشياء ليست مباشرة ولا له كف، وإنما قربه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الأفهام بما يدركه الحس، وأما رواية الشمال فضعيفة بالمرة، وقد صحّ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «وكلتا يديه يمين مباركة»(٢). وهذا يوهن ذكر الشمال.
الحديث السادس والعشرون: رواه الإمام أحمد رحمه اللّه في مسنده من حديث أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى: (فَلَمّٰا تَجَلّٰى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) [الأعراف: ١٤٣] قال: قال هكذا يعني أنه أخرج طرف الخنصر، وفي لفظ فأومأ بخنصره فساخ. وروى ابن حامد (فَلَمّٰا تَجَلّٰى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) [الأعراف: ١٤٣] قال: خرج منه أول مفصل من خنصره.
هذا الحديث تكلم فيه علماء الحديث وقالوا: لم يروه عن ثابت غير حماد بن سلمة، وكان ابن العوجاء الزنديق قد أدخل على حماد أشياء فرواها في آخر عمره، ولذلك تجافى بعض أصحاب الصحيح الإخراج عنه، ومخرج الحديث سهل وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقربه إلى الأفهام بذكر الحسيات فوضع يده على خنصره إشارة إلى أن اللّه تعالى أظهر اليسير من آياته.
* * *
__________________
(١) في الذي بين أيدينا من نسخ صحيح مسلم زيادة «ثم يطوي الأرضين بشماله» (ز).
(٢) يقول القتيبي عند الكلام على هذا الحديث: إنما أراد بذلك معنى التمام والكمال لأن كل شيء فمياسره تنقص عن ميامنه في القوة والبطش والتمام، وكانت العرب تحب التيامن وتكره التياسر لما في اليمين من التمام وفي اليسار من النقص، ويجوز أن يريد العطاء باليدين جميعا لأن اليمنى هي المعطية فإذا كانت اليدان يمينين كان العطاء بهما وإلى هذا ذهب المرار حين قال:
وأن على الإوانة من عقيل |
|
فتى كلتا اليدين له يمين (ز) |