المعنى لا يملّ وإن ملّوا وإلا لم يكن له فضل عليهم. وقال قوم: من ملّ من شيء تركه، والمعنى لا يترك الثواب ما لم يتركوا العمل، وأما الملل الذي هو كراهة الشيء والاستثقال له ونفور النفس عنه والسآمة منه فمحال في حقه تعالى لأنه يقتضي تغيره وحلول الحوادث في حقه.
* * *
الحديث الحادي والثلاثون: روت خولة بنت حكيم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «إن آخر وطأة وطئها الرّحمن بوجّ».
وج: واد بالطائف وهي آخر وقعة أوقعها اللّه تعالى بالمشركين على يد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم: «اللهم اشدد وطأتك على مضر» مأخوذ من القدم وإلى هذا ذهب ابن قتيبة وغيره، قال القاضي (أبو يعلى) غير ممتنع على أصولنا حمل هذا الخبر على ظاهره وأن ذلك معنى بالذات دون الفعل لأنّا حملنا قوله ينزل ويضع قدمه في النار على الذات. وهذا الرجل يشير بأصولهم إلى ما يوجب التجسيم والانتقال والحركة وهذا مع التشبيه بعيد عن اللغة ومعرفة التواريخ وأدلة المعقول وإنما اغترّ بحديث روي عن كعب أنه قال: «وجّ مقدس منه عرج الرب إلى السماء ثم قضى خلق الأرض» وهذا لو صحّ عن كعب احتمل أن يكون حاكيا عن أهل الكتاب وكان يحكى عنهم كثيرا ولو قدرناه من قوله كان معناه أن ذلك المكان آخر ما استوى من الأرض لما خلقت ثم عرج الرب أي عمد إلى خلق السماء وهو قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوىٰ إِلَى السَّمٰاءِ وَهِيَ دُخٰانٌ) [فصّلت: ١١] ويروى عن أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: «لما أسري بي مرّ بي جبريل عليه الصلاة والسلام حتى أتى الصخرة فقال: يا محمد من هاهنا عرج ربك إلى السماء» وهذا يرويه بكر بن زياد وكان يضع الحديث على الثقات. فإن قيل قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: (اِسْتَوىٰ إِلَى السَّمٰاءِ) [البقرة: ٢٩] صعد، قلنا: صعد أمره إذا لا يجوز عليه الانتقال والتغير.
* * *
واعلم أن الناس في أخبار الصفات على ثلاث مراتب:
أحدها: إمرارها على ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل إلا أن تقع ضرورة كقوله تعالى: (وَجٰاءَ رَبُّكَ) [الفجر: ٢٢] أي جاء أمره وهذا مذهب السلف.