والمرتبة الثالثة: القول فيها بمقتضى الحس، وقد عمّ جهلة الناقلين إذ ليس لهم حظ من علوم المعقولات التي يعرف بها ما يجوز على اللّه تعالى وما يستحيل، فإن علم المعقولات يصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه، فإذا عدموها تصرفوا في النقل بمقتضى الحس، وإليه أشار القاضي (أبو يعلى) بقوله: لا يمتنع أن يحمل التي وطئها الحق تعالى على أصولنا وأنه معنى يتعلق بالذات. وأصولهم على زعمه ترجع إلى الحس.
ولو فهموا أن اللّه تعالى لا يوصف بحركة ولا انتقال ولا تغير ما بنوا على الحسيات، والعجب أنه يقر بهذا القول ثم يقول: «من غير نقلة ولا حركة» فينقض ما بنى.
ومن أعجب ما رأيت لهم ما ذكروا عن ابن أبي شيبة أنه قال في كتاب العرش: إن اللّه تعالى قد أخبرنا أنه صار من الأرض إلى السماء ومن السماء إلى العرش فاستوى على العرش.
__________________
ـ ويقول في شرح المشكاة أيضا: والحاصل أن السلف والخلف مؤولون لإجماعهم على صرف اللفظ عن ظاهره ولكن تأويل السلف إجمالي لتفويضهم إلى اللّه تعالى وتأويل الخلف تفصيلي لاضطرارهم إليه لكثرة المبتدعين ه.
وفي (إشارة النبيه في كشف شبه أهل التشبيه إملاء الشيخ نجم الدين أبي الفتح نصر اللّه بن العز بن سعد اللّه بن نجم الكاتب البغدادي): وقد تأول العلماء والأدباء والشعراء قديما وحديثا ولذلك قول بعضهم:
أقول بالخد خال حين أذكره |
|
خوف الرقيب وما بالخد من خال |
أبكي إلى الشرق إن كانت منازلهم |
|
يجانب الغرب خوف القيل والقال |
ومن قال: (لا أقول بالتأويل ولا أشبه) فقد تأوّل لأنه إذا عدل عن معنى النزول عنده ومعنى اليمين في حديث «الحجر الأسود يمين اللّه في الأرض» إلى غير ذلك فقد تأول فلا محيص لكم عن التأويل بحال اه.
ويقول العلامة الآلوسي في تفسيره عند الكلام على الوجه: والتأويل القريب إلى الذهن الشائع نظيره في كلام العرب مما لا بأس به عندي، على أن بعض الآيات مما أجمع على تأويلها السلف والخلف واللّه تعالى أعلم بمراده ه. وقال أيضا: وأنا أميل إلى التأويل وعدم القول بالظواهر مع نفي اللوازم في بعض ما ينسب إلى اللّه مثل قوله تعالى: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلاٰنِ) (٣١) [الرّحمن: ٣١]، وقوله صلى اللّه عليه وسلم: «الحجر الأسود يمين اللّه في أرضه فمن قبّله أو صافحه فكأنما صافح اللّه تعالى وقبّل يمينه» فأجعل الكلام فيه خارجا مخرج التشبيه لظهور القرينة، ولا أقول: الحجر الأسود من صفاته كما قال السلف في اليمين اه.
وقد عقد ابن المعلم في كتابه (نجم المهتدي ورجم المعتدي) بابا سرد فيه جماهير المؤولين (فيما يظهر فيه وجه الكلام) من الصحابة والتابعين وغيرهم (ز).