قال أبو عبيد: الشجنة كالغصن من الشجرة، ومعنى شجنة أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق ولا شجر تشجن إذا التف بعضها ببعض.
قلت: لا يخلو هذا الحديث من أحد أمرين: إما أن يراد أن اللّه تعالى يراعي الرحم فيصل من يصلها ويقطع من قطعها ويأخذ لها حقها كما يراعي القريب قرابته كأنه يزيد في المراعاة على الأجانب أو أن يراد أن الرحم حروف الرّحمن فكأنه عظم قدرها بهذا الاسم ويؤكد هذا حديث عبد الرّحمن بن عوف عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: «قال اللّه تعالى أنا الرّحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته» وقد ورد هذا الحديث بلفظ لم يخرج في الصحاح «الرحم شجنة من الرّحمن تعلق بحقوي الرّحمن تقول اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني» وفي لفظ «الرحم شجنة آخذة بحقو الرّحمن» وفي لفظ «لما خلق اللّه تعالى الخلق قامت الرحم فأخذت بحقو الرّحمن فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة». وهذه كلها أمثال ترجع إلى ما بيّنّا، ومعنى تعلقها بحقو الرّحمن الاستجارة والاعتصام(١).
قال أبو بكر البيهقي: الحقو الإزار، والمعنى تتعلق بعزه.
قال ابن حامد: يجب التصديق بأن للّه حقوا فتأخذ الرحم بحقوه، قال: وكذلك نؤمن بأن للّه تعالى جنبا لقوله تعالى: (عَلىٰ مٰا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّٰهِ) [الزّمر: ٥٦].
وهذا لا فهم له أصلا، كيف يقع التفريط في جنب الذات، نعوذ باللّه من سوء الفهم.
* * *
الحديث الخامس والثلاثون: روى البخاري في صحيحه(٢) أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: «يقول اللّه عزّ وجل الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني فيهما عذبته».
قال أبو سليمان الخطابي: وفي الكلام أن الكبرياء والعظمة صفتان للّه تعالى اختص فيهما، لا يشركه فيهما أحد ولا ينبغي لمخلوق أن يتعاطاهما، لأن صفة
__________________
(١) قال في النهاية: والحقو فيه مجاز وتمثيل ومنه قولهم: عزت بحقو فلان إذا استجرت به واعتصمت اه وفي أساس البلاغة: لاذ بحقويه إذا فزع إليه.
(٢) يقول العجلوني في كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس:
رواه مسلم وابن حبان وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة والحاكم (بألفاظ متقاربة)، وممن أخرجه بلفظ الترجمة القضاعي عن أبي هريرة والحكيم الترمذي عن أنس ه. ولم يذكر البخاري فليحرر.