في ذلك المجلس العلماء فشرع يناظرهم فقالوا : ما الدليل على ما صدر منك؟ فذكر آية الاستواء فضحكوا منه ، وعرفوا أنه جاهل ...» وكان الإمام العلامة شيخ الإسلام في زمانه أبو الحسن علي بن إسماعيل القونوي يصرح بأنه من الجهلة بحيث لا يعقل ما يقول. ونقل عن صلاح الدين الكتبي ويعرف بالتريكي في الجزء العشرين من تاريخه ما قام به العلماء في جهاد هذا الرجل. وذكر قبل ذلك صورة المرسوم الذي أصدره السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، وذكره أيضا العلامة الكوثري بنصه. ناقلا له مما رآه بنفسه من خط ابن طولون في تكملته للسيف الصقيل. ومع هذا فقد ترك بعد موته أئمة ابتداع عبّوا من حياضه الآسنة وعلى رأسهم الإمام ابن رفيل الشهير بابن القيم ـ وكان أبوه قيم المدرسة الجوزية ولذلك يقولون أحيانا : ابن قيم الجوزية ، يعنون بها تلك المدرسة ـ كان أتبع لشيخه ابن تيمية من ظله ، وقد أفنى عمره في خدمة بدع أستاذه بفنون من التلبيس ، فيؤلف في السيرة النبوية ، وفي الفوائد الصوفية وفي المواعظ ، ويدس في خلال ذلك من حشو شيخه وأضاليله ما استطاع ثم يعود إلى ما يعرفه العلماء ، وكثيرا ما يحكي المسألة المجمع عليها بين العلماء إجماعا ظاهرا فيذكر فيها خلافا فيقول : قالت طائفة بذلك ويحتج لها ويطيل الاحتجاج. وقالت طائفة أخرى ويطول الاحتجاج بما يظنه حجة من أوهام شيخه. كما وقوع الطلاق الثلاث المجموع ثلاثا وغيرهما كثير وقلما يسلم له كتاب من تشعيب ودس وتهويش ، وقد جمع شواذ شيخه في قصيدة سخيفة نونية بلغها ستة آلاف بيت تقريبا (١). وكان إخوانه وتلاميذه يخفونها خوفا من أهل العلم وأهله ، حتى وقعت في يد شيخ الإسلام تقي الدين أبي الحسن علي السبكي ، فكتب عليها كتابة سماها : السيف الصقيل في الرد على ابن رفيل ـ وقد وضع العلامة الكوثري تكملة لهذا السيف وأجاد كل الإجادة ـ وهو الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ الكريم ـ ومن قرأ هذه المنظومة النونية وقرأ كتب ابن تيمية ـ وهو من أهل العلم ـ لا يرتاب في أنه نسخة منه ، فإنه يرمي من تقدمه من محققي أهل العلم وأكابر العلماء بأنهم أعداء الإسلام ، وذلك لأنهم لم يقولوا بما قال به ابن تيمية من التجسيم والتشبيه ، وإن كان ابن الجوزي قد أثخن أهل التجسيم والتشبيه بالجراح في كتابه القيم : دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه في الرد على المجسمة والمشبهة بتحقيق : محمد زاهد الكوثري وتصدير العلامة محمد أبي زهرة وتقديم الدكتور : جمعه الخولي بما يشفي الصدر ويثلج
__________________
(١) وعدد أبياتها على التحقيق ستة آلاف بيت إلا واحدا وخمسين بيتا.