وليس انتقاد بطل الإسلام (١) لأناس إلا بعد أن وضع إصبعه المشخّصة على نصوص كلامهم ، فلا يمكن لهم أن ينفلتوا من يده ، حيث يبني ردوده على الحقائق الملموسة ـ وفي كتابه الخبر اليقين ـ.
والضغينة التي يتخيلها بطل الشذوذ في كلام سماحته ، ما هي إلا بغض في الله ، وليس يحوم حول فكره السامي طائر العنصريات والإقليميات وسائر وجوه الجهالات ، التي وضعها المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ تحت قدمه الشريفة ، لأن الإسلام لا يعرف عنصرا ولا إقليما ، وإنما يعرف إخاء شاملا على مبادئ سامية ، وهكذا العلم لا يخصّ بلدا ولا قبيلا ، بل هو نور شامل.
ولذا تجد سماحته من أبرأ الناس من مثل تلك الجاهلية الجهلاء ، بل يعدّ المبطل مبطلا كائنا من كان ، والباطل باطلا حيثما كان ، وإلا ما تحدّث عن الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده بما تحدّث به عنه ، لأنه تركمانيّ الدم ـ من بني جنسه ـ كما كان الشيخ نفسه يصرّح بذلك ، ومن شهود هذا التصريح صاحب «المنار» في المجلد الثامن (ص ٣٧٩) ، ومعالي الوزير الحكيم الشيخ مصطفى عبد الرزاق باشا في مقدمة «العروة الوثقى».
وأما الشيخ محمد عبده فله مميزات معروفة ، وكان نادرة بين شيوخ عصره في الكتابة والإدارة وتصريف الشئون ، والقيام ببعض ما يعود على المجتمع بخير ، وقد أثنى عليه صديقه اللورد كرومر ، بسعة العلم واستنارة الذهن ، كما أثنى على مريديه بأنهم : «جديرون بكل تشجيع ومساعدة ، يمكن إمدادهم بهما ، لأنهم خلفاء المصلح الأوروبي الطبيعيون»!
وقال عن الشيخ عبده : «كان أحد زعماء الفتنة العرابية ، فلما جئت مصر سنة ١٨٨٣ كان مغضوبا عليه ، ولكن الخديو توفيق عفا عنه بما فطر عليه من مكارم الأخلاق ، وانقيادا لتشديد الإنكليز عليه في ذلك ، وعيّنه قاضيا (أهليا) ، فأحسن العمل وأدّى الأمانة حقّها».
وقال أيضا «إنني قدّمت لمحمد عبده كلّ تنشيط استطعته مدة سنين كثيرة ... ولسوء الحظ كان على خلاف كبير مع الخديو ، ولم يتمكن من البقاء في منصب الإفتاء ، لو لا أنّ الإنكليز أيّدوه بقوة»!
__________________
(١) يعني به : سماحة الإمام شيخ الإسلام مصطفى صبري.