أنّ التفويض أسلم من الإثبات الذي ربما ينتهي ـ عند الإفراط ـ إلى التشبيه والتجسيم المبغوض ، أو إلى التعقيد واللغز الذي لا يجتمع مع سمة سهولة العقيدة.
هذه حقيقة التفويض ، غير أنّ ابن تيمية شنّ على هذه الطائفة بما ليس في شأنهم وقال : إنّ هؤلاء المبتدعة هم الذين فضلوا طريقة الخلف على طريقة السلف ؛ من حيث ظنّوا أنّ طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث ، من غير فقه ولا فهم لمراد الله ورسوله منها ، واعتقدوا أنّهم بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم : (وَمِنهُمْ أُمِّيُّونَ لايَعْلَمُونَ الكِتابَ إِلاّ أَمانِيَّ ) (١). (٢)
وكأنّه تأثّر بما ذكره محيي الدين ابن العربي حيث رد على أهل التفويض وقال : « قالوا نؤمن بهذا اللفظ كما جاء من غير أن نعقل له معنى ، حتى نكون في هذا الإيمان به في حكم من لم يسمع به ، ونبقى على ما أعطانا دليل العقل من إحالة مفهوم هذا الظاهر. وهذا القول بهذا القسم متحكم أيضاً ، فإنّه ردّ على الله بأنّهم جعلوا نفوسهم في حكم نفوس لم تسمع ذلك الخطاب. وقسم آخر قالوا : نؤمن بهذا اللفظ على حدّ علم الله فيه وعلم رسوله ، فهؤلاء قد قالوا : إنّ الله خاطبنا عبثاً لأنّه خاطبنا بما لا نفهم ، والله يقول : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُول إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) (٣). (٤)
غير أنّا نلفت نظر القارىء إلى أنّ ما عاب به ابن تيمية أهل التفويض مشترك بينهم وبين أهل الإثبات ، فقد عرفت أنّ إثبات الصفات الخبرية مع حفظ التنزيه تجعل الصفات ألفاظاً بلا معان واضحة ، لما سبق من أنّ الكيفية المادية هي المقوّمة لليد والوجه والرجل ، فإثبات مفاهيمها مع سلب كيفياتها أشبه شيء بإثبات شيء في عين سلبه ، فعندئذ تنقلب الآيات البينات الدالّة على
ــــــــــــــــــ
١ ـ البقرة : ٧٨.
٢ ـ علاقة الإثبات والتفويض : ٦٠.
٣ ـ إبراهيم : ٤.
٤ ـ الفتوحات المكية : ٤/٩٢٨.