أشرف المعاني وأجلّها ، لدى القوم ، إلى آيات غير مفهومة ولا معقولة.
والعجب أنّ أحد المصرّين على الإثبات بصورة النمط الأشعري يحسبه عقيدة سلفية ، ويقول في كتابه : إنّ صفات الله يجب أن تكون لدى المسلم بديهيات ذهنية تتغلغل في قلبه ، فيتحرر من أي ضغط خارجي ، لما لها من انعكاسات تربوية هامة على النفس البشرية ـ إلى أن قال ـ : إنّ الجهل بالله أمر خطير ، وضرره على المسلمين كبير ، لأنّ ذلك يؤدي إلى أن يكون عرضة للزلاّت ، وأن يكون قلبه مورداً للشبهات ومستقراً للأوهام. (١)
إنّ السمة التي يثبتها الكاتب لصفات الله ، هل هي موجودة في قولهم : إنّ لله يداً لا كالأيدي ، أو وجهاً لا كالوجوه ، أو أنّ هذا لا يزيد في صفاته تعالى إلاّ غموضاً وتعقيداً ، وتصبح العقيدة الإسلامية عند الواصف كالعقائد المتخذة من الكنائس التي يدّعي أصحابها أنّ الإيمان بها واجب ، وإن لم يعلم كنهها ، كما هو قولهم في التثليث ونظائره.
قال حنبل بن إسحاق : سألت أحمد بن حنبل : ألم ترو عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا؟ قال أحمد : نؤمن بها ونصدق ولا نرد شيئاً عنها إذا كانت الأسانيد صحاحاً ـ إلى أن قال ـ : قلت : أنزوله بعلمه أو بماذا؟ قال : اسكت عن هذا ، مالك ولهذا ، امض الحديث على ما روي بلا كيف ولا حد. (٢)
إنّ سؤال ابن إسحاق أوضح دليل على أنّ الإثبات على النمط الذي يتبنّاه أهل الحديث لا يجعل العقيدة الإسلامية واضحة مفهومة ، بل يجعلها مجهولة معقّدة. ولكن يجب الإيمان بها مهما كانت غير مفهومة ولا معقولة ، ولا تَنْسَ ما رمى به ابن تيمية أهل التفويض بأنّهم اعتقدوا أنّهم بمنزلة الأُميين الذين قال الله فيهم ـ إلخ. ولا تنس أيضاً ما شن به ابن العربي على تلك الطائفة بقوله : إنّهم جعلوا نفوسهم في حكم نفوس لم تسمع ذلك الخطاب ، إنّهم قالوا : إنّ الله خاطبنا عبثاً بما لا نفهم.
ــــــــــــــــــ
١ ـ علاقة الإثبات والتفويض : ١٥.
٢ ـ شرح أُصول السنّة للألكائي كما في علاقة الإثبات والتفويض : ٩٨.