إلى هنا تمّ ما يرومه الشيخ الأشعري في كتاب« اللمع ».
فهلمّ معنا ندرس ما ذكره تلاميذ مدرسته تأييداً لمؤسسها ، لقد ذهب المحقّق التفتازاني في شرح المقاصد ، ونظام الدين القوشجي في شرح التجريد ، إلى ما ذهب إليه مؤسس المنهج ، واستدلاّ على لزوم مقارنة القدرة مع الفعل بوجوه نشير إليها :
١.إنّ القدرة عرض ، والعرض لا يبقى في زمانين ، فلو كانت قبل الفعل لانعدمت حال الفعل ، فيلزم وجود المقدور بدون القدرة ، والمعلول بدون العلة ، وهو محال (١). (٢)
ولا يخفى أنّ هذا البرهان إن صحّ فهو غير ما ذكره الشيخ الأشعري في « اللمع » ، والعجب أنّ الدكتور عبد الرحمن بدوي قد فسر عبارة « اللمع » بما جاء في « شرح المقاصد » (٣) ، وهو غير صحيح.
أقول : الظاهر أنّ المستدل لم يصل إلى كنه القول بعدم بقاء الأعراض ، فزعم أنّ المقصود من تجدّد الأمثال في الأعراض وتصرمها وعدم بقائها في آنين ، هو أنّ العرض في الآن الثاني ، غيره في الآن الأوّل ماهية ووجوداً وتشخيصاً ، بحيث يرد على الثلج والقطن بياضات مفصولة وألوان متجزئة ، حسب تصرّم الآنات وتقضّيها ، ولكنّه فاسد ، فإنّ المراد أنّ البياض الموجود في الآن الأوّل ، ليس أمراً ثابتاً وجامداً لا يتطرق إليه التغيّر والتبّدل ، بل هو مع حفظ وحدته وتشخصه واقع في إطار التغيّر والتبدّل ، ومثل ذلك يعني أنّ الشيء الواحد مع حفظ وحدته الشخصية ، له وجود سيال في عمود الزمان ، فالعرض باق في عين تغيّره ، ومحفوظ في عين تبدّله ، فلا يضرّالتغيّر بوحدته ولا الحركة بتشخّصه.
ــــــــــــــــــ
١ ـ شرح المقاصد : ١/٢٤٠ ، وقد عبر بنفس تلك العبارة الفاضل القوشجي. لاحظ شرح التجريد المطبوع قديماً : ٣٦٢.
٢ ـ المسألة مبنية على كون القدرة عرضاً ، وامتناع بقاء الأعراض ، وكلاهما أمران نظريان يحتاجان إلى البرهنة ، وقد افترضهما المستدل أمرين ثابتين. لاحظ نقد المحصل للمحقّق الطوسي : ١٦٥.
٣ ـ مذاهب الإسلاميين : ٥٦٣.