ويدعوهم الى النجاة مما هم فيه ، وجعلت قريش حين منعه الله منهم ، يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب.
وكان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث : أنه قدم مكة ورسول الله (ص) بها ، فمشى إليه رجال من قريش ، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا ، فقالوا له : يا طفيل ، إنك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، وقد فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه ، وبين الرجل وبين أخيه ، وبين الرجل وبين زوجته ، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا.
قال : فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه ، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله ، وأنا لا أريد أن أسمعه.
قال : فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله (ص) قائم يصلي عند الكعبة.
قال : فقمت منه قريبا فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله.
قال : فسمعت كلاما حسنا.
قال : فقلت في نفسي واثكل أمي ، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليّ الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول! فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته.
قال : فمكثت حتى انصرف رسول الله (ص) إلى بيته فاتبعته ، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه ، فقلت : يا محمد ، إنّ قومك قد قالوا لي كذا وكذا ، للذي قالوا ، فو الله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف ، لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك ، فسمعته قولا حسنا ، فاعرض عليّ أمرك.
قال : فعرض عليّ رسول الله (ص) الإسلام ، وتلا عليّ القرآن ، فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ، ولا أمرا أعدل منه. قال : فأسلمت وشهدت :