رسول الله (ص) مدّة فأجله إلى مدّته ، والله بريء من المشركين ورسوله.
قال : فسار بها ثلاثا ثمّ قال لعليّ : «الحقه فردّ عليّ أبا بكر وبلّغها أنت».
قال : ففعل. فلمّا قدم على النبيّ (ص) أبو بكر بكى وقال : يا رسول الله حدث فيّ شيء؟
قال : «ما حدث فيك إلّا خير ، ولكنيّ أمرت أن لا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي» (١).
وفي رواية عبد الله بن عمر : «ولكن قيل لي : أنّه لا يبلّغ عنك إلّا أنت أو رجل منك» (٢).
وفي رواية أبي سعيد الخدري : «لا يبلّغ عنّي غيري أو رجل منّي» (٣).
تدلّنا القرائن الحالية والمقالية في المقام ، أنّ القصد من التبليغ في هذه الروايات وما شابهها تبليغ ما أوحى الله إلى رسوله من أحكام إلى المكلّفين بها في بادئ الأمر ، وهذا ما لا يقوم به إلّا الرسول أو رجل من الرسول.
ويقابل هذا التبليغ التبليغ الّذي يقوم به المكلّفون بتلك الأحكام بعد ما بلّغوا بها بواسطة الرسول أو رجل من الرسول ، فإنّ لهم عند ذاك أن يقوموا بتبليغها إلى غيرهم ، ويطّرد جواز هذا التبليغ ورجحانه ويتسلسل مع كلّ من بلغه الحكم إلى أبد الدهر.
وواضح أنّ الرسول (ص) عنى بقوله : «لا يبلّغ عنّي غيري أو رجل منّي» التبليغ من النوع الأوّل.
__________________
(١) مسند أحمد ١ / ٣ ، ح ٤ من مسند أبي بكر وقال أحمد شاكر : (اسناده صحيح). وراجع كنز العمال ط : ٢ ، ٢ / ٢٦٧ و ٢٧٠ وذخائر العقبى ص ٦٩.
(٢) في مستدرك الصحيحين ٣ / ٥١.
(٣) في الدرّ المنثور بتفسير : بَراءَةٌ مِنَ اللهِ.