لأنه كان منهم ، ومنهم من ناصر المشركين لأنه كان منهم. بل كان المحاربون إذا حاربوا ، فلا بد وأن يبدءوا حربهم بتنشيطها وبتصعيد نارها برجز أو بقريض.
ومن خوفهم من لسان الشاعر ما روي من فزع أبي سفيان ، لما سمع من عزم (الأعشى) على الذهاب الى يثرب ومن اعداده شعرا في مدح الرسول ، ومن رغبته في الدخول في الإسلام. فجمع قومه عندئذ ، وتكلم فيما سيتركه شعر هذا الشاعر من أثر في الاسلام وفي قريش خاصة إن هو أسلم ، ولهذا نصحهم أن يتعاونوا معه في شراء لسانه وفي منعه من الدخول في الإسلام بإعطائه مائة ناقة فوافقوا على رأيه ، وجمعوا له ما طلبه ، وتمكن أبو سفيان من التأثير فيه ، فعاد الى بلده (منفوحة) ومات بها دون أن يسلم (١).
قال (الجاحظ) يبلغ من خوفهم من الهجاء ومن شدة السبّ عليهم ، وتخوفهم أن يبقى ذكر ذلك في الأعقاب ، ويسبّ به الأحياء والأموات ، انهم اذا أسروا الشاعر أخذوا عليه المواثيق ، وربما شدوا لسانه بنسعة ، كما صنعوا بعبد يغوث بن وقّاص الحارثي حين أسرته بنو تيم يوم الكلاب (٢). و (عبد يغوث بن وقاص) شاعر قحطاني ، كان شاعرا من شعراء الجاهلية ، فارسا سيد قومه من بني الحارث بن كعب ، وهو الذي قادهم يوم الكلاب الثاني ، فأسرته بنو تيم وقتلته ، وهو من أهل بيت شعر معروف في الجاهلية والاسلام ، منهم اللجلاج الحارثي ، وهو طفيل بن زيد بن عبد يغوث ، وأخوه (مسهر) فارس شاعر ، ومنهم من أدرك الاسلام : جعفر بن علبة بن ربيعة بن الحارث بن عبد يغوث ، وكان شاعرا صعلوكا (٣).
وفي جمهرة أنساب العرب :
__________________
(١) الشعر والشعراء (١٣٦ وما بعدها) ، زيدان ، آداب ١ / ١١٩.
(٢) البيان والتبيين ٢ / ٢٦٨.
(٣) الخزانة ١ / ٣١٧ (بولاق) وط. القاهرة سنة ١٣٨٧ ه ٢ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.