والله يا أمير المؤمنين ، لأن يحشرني الله تحت راية عبد الله بن الحسن ـ وهو من قد علمت ، وشيخ قرابة لا تنكر عند اختلاف الأهواء ، وتفرّق الآراء ـ أحب إليّ وإلى كلّ مؤمن من أن يحشرني تحت راية قطري بن الفجأة المازني ، وكان الرشيد متكئا فاستوى جالسا وقال :
صدقت وبررت ، لأن تكون تحت راية رجل من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأقاربه إذا اختلف الأهواء ، خير من أن تحشر تحت راية خارجى حنفي يأخذه الله بغتة. وخبّرني يا شافعي : ما حجتك على أن قريشا كلّها أئمة وأنت منهم؟.
قال الشافعي : قد افتريت على الله كذبا يا أمير المؤمنين إن نصبت نفسي لها ، وهذه كلمة ما سبقت بها قط ، والذين حكوها لأمير المؤمنين فاطلبهم معاينة ، فإن الشهادة لا تجوز إلاّ كذلك.
فنظر أمير المؤمنين إليهما ، فلمّا رآهما لا يتكلّمان علم ما في ذلك ، فأمسك عنهما ثم قال له الرشيد : قد صدقت يا ابن إدريس ، فكيف بصرك بكتاب الله تعالى؟
فقال له الشافعي : عن أيّ كتاب الله تسألني؟ إن الله أنزل ثلاثا وسبعين كتابا على خمسة أنبياء ، وأنزل كتاب موعظة النبي ، فكان سادسا ، أوّلهم آدم عليهالسلام ، عليه أنزل ثلاثون صحيفة كلّها أمثال. وأنزل على أخنوخ وهو إدريس ستة عشر صحيفة كلّها حكم وعلم الملكوت الأعلى. وأنزل على إبراهيم ثمانية صحف كلّها حكم وعلم الملكوت الأعلى. وأنزل على إبراهيم ثمانية صحف كلّها حكم مفصلة فيها فرائض ونذر. وأنزل على موسى التوراة فيها تخويف وموعظة. وأنزل على عيسى الإنجيل ليبيّن لبني إسرائيل ما اختلفوا فيه من التوراة. وأنزل على داود كتابا كلّه دعاء وموعظة لنفسه حتى يخلصه به من خطيئته لا حكم لنا فيه وإيقاظ لداود ولقاريه من بعد. وأنزل على محمّد صلّى الله عليه وسلّم القرآن وجمع فيه سائر الكتب فقال ( تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ).
فقال له الرشيد : فصّل لي كتاب الله المنزل على ابن عمي رسول الله صلّى