المساعي الكسبية ، وإليه يرجع قوله ( وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ ). وقوله ( إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) وقوله ( فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ).
أقول : وهذه الخصائص الأربعة الحاصلة للأنبياء بسبب أن خلقتهم أشرف وأجل من خلقة الخلائق أجمعين ، حاصلة لسيدنا أمير المؤمنين ، لأنه خلق مع أفضل الأنبياء من نور واحد ، فهو أفضل الخلائق والأنبياء عدا خاتمهم صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا يجوز تقدّم أحد عليه.
وقال والد ( الدهلوي ) في ( إزالة الخفا ) ما تعريبه : « لقد خلقت نفوس الأنبياء عليهمالسلام القدسية في غاية الصفاء والرفعة ، وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن ينالوا النبوة بذلك الصفاء والرفعة ، ففوضت إليهم رئاسة العالم ، قال الله تعالى ( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ).
وفي الأمة قوم خلقت نفوسهم قريبة من جوهر نفوس الأنبياء ، وهؤلاء في أصل الفطرة خلفاء الأنبياء في الأمم ، كالشمس تنعكس في المرآة ولا تنعكس في التراب والخشب والحجر ، فإن هؤلاء ـ وهم خلاصة الأمة ـ يتأثرون بالنفس القدسية النبوية بوجه لا يتأتى لغيرهم ، وقلوبهم تشهد بصحة ما يستفيدونه منها ، حتى كأنه قد سبق لهم إدراك ذلك على وجه الإجمال ، ثم جاء كلامه صلّى الله عليه وسلّم شارحا له ومبينا لاجماله ، ثم تلى هؤلاء جماعات كل منها أدنى من سابقتها بدرجة حتى تصل النوبة إلى العوام من المسلمين.
فكما أن صاحب الخلافة الخاصة هو رئيس المسلمين في الظاهر ، فكذلك يجب أن يكون رئيسا لهم متقدما عليهم من حيث الاستعدادات الباطنية كصفاء الباطن ورفعة الشأن ، حتى تكن رئاسته الظاهرية مقرونة بالرئاسة الباطنية ... ».